قصة ذبح سيدنا إسماعيل عليه السلام

كان إبراهيم عليه السلام يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد فاران فكان يزور إسماعيل وأمه هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام لينظر في أمرهما ولما كبر إسماعيل وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه وقد شب وارتجل , وأصبح يتحمل السعي مع أبيه في أمور دنياه معينا له على أعماله.

فآتهما الاختبار العظيم وكان يومئذ إسماعيل بن ثلاث عشرة سنة
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ } (الصافات: 102)

أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه, أي لما أطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل، رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا.

رأى إبراهيم في ليلة كأن قائلا يقول إن الله يأمرك بذبح ابنك فلما أصبح روى في نفسه أي فكر أهذه رؤية من الله أم حلم من الشيطان فسمي يوم التروية .

فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضا وقيل له الوعد فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فسمي يوم عرفة و«رؤيا الأنبياء وحي» فكان هذا اختبار من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن، بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك، وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلاً عليه
فجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً، ورزقهما من حيث لا يحتسبان.

ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده ، وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره، أجاب ربه وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته.

وتمثل الشيطان في صورة رجل ثم أتى أم الغلام فقال أين ذهب إبراهيم بابنك قالت غدا به لبعض حاجته قال فإنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب به ليذبحه قالت ولم يذبحه قال زعم أن ربه أمره بذلك قالت فقد أحسن أن يطيع ربه فيئس منها الشيطان وذهب في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك قال لبعض حاجته

إقرأ أيضا

الإجماع والقياس في الشريعة الإسلامية

عبارات وأدعية مميزة عن يوم الجمعة

دعاء النصف من رمضان

قال إنه لا يذهب بك لحاجة ولكنه يذهب بك ليذبحك قال ولم يذبحني قال يزعم أن ربه أمره بذلك قال فو الله لئن كان الله تعالى أمره بذلك ليفعلن فيئس منه فتركه , ولحق بإبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال أين تريد والله لأظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك فعرفه إبراهيم فقال إليك عني عدو الله فو الله لأمضين لأمر ربي

فلم يصب الملعون منهم شيئاً ورماه إبراهيم بسبع حصيات عند جمرة العقبة حتى ذهب ولما أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض

ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ومضى إبراهيم لأمر الله.

وكان إبراهيم قد وجد من ابنه الجلد والصبر طاعة لله تعالى وطاعة لأبيه على صغر سنه فعرض على ولده أمر ربه ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسراً ويذبحه قهراً فقال له :

{يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } (الصافات: 102).

فبادر الغلام الحليم، فسر والده وقر عينه وهو يقول له امضي لما أمرت به وطع ربك

{يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } (الصافات: 102).

وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد. قال إسماعيل لأبيه أمض لما أمرك الله من ذبحي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عز وجل

{فَلَمَّا أَسْلَمَا (103) } (الصافات: 103)

استسلما وانقادا إبراهيم أمتثل أمر الله تعالى وإسماعيل طاعة لله ولأبيه أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك. {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي ألقاه على وجهه. وأراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه وسمى إبراهيم وكبر، وتشهد الولد للموت. وأمر إبراهيم السكين على حلق إسماعيل فلم تقطع شيئاً جعل بين السكين وبين رقبته صفيحة من نحاس

فعند ذلك نودي من الله عز وجل: {أَن يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ (105) } (الصافات: 104، 105)

أي: قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك، ومبادرتك إلى أمر ربك، وبذلك ولدك للقربان، كما سمحت ببدنك للنيران، وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى: {إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَء ٱلْمُبِينُ (106) } (الصافات: 106)

أي: الاختبار الظاهر البين.

من إقدامه على المكاره بصبر وشجاعة هو وابنه بالتطبيق العملي لتنفيذ أمر الله لذلك صرف الله عنه المكاره والشدائد وجعل لهما من أمرهما فرجاً ومخرجاً وكان الله قد شرع لإبراهيم ذبح ولده ثم صرفه إلى الفداء ليثيب لإبراهيم على ذبح ولده وعرفه على ذلك , وهذا هو البلاء الواضح الجلي ولم يكن في سرعة الاستسلام لهذا الذابح المتدفق رحمة على ولده بأعظم من الذبيح المستسلم لأعظم مكروه في الدنيا فكلاهما بلغا قمة الاستسلام والطاعة لربهما في أعظم اختبار كانت النتيجة بعدما ردا قلبيهما إلى الله أن رد الله إسماعيل إلى أبيه لذا نزل الفداء {وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) } (الصافات: 107)

أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه وهو كبش أبيض أعين أقرن، كان يرتع في الجنة وكان عليه عهن أحمر. هبط عليه من جبل ثبير الذي يطل على منى من الجهة الشمالية لها فذبحه بمنى ، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه فكان مخزوناً حتى فدي به إسماعيل وذبحه إبراهيم ففدي إسماعيل بذبح عظيم .

وسن الذبح لنا من ذلك اليوم الذي سمي يوم النحر

تغمرنا السعادة برؤية تعليقاتكم .... اترك رد