الراهب جيرولامو سافونارولا الذي كان معلقا على المشنقة؟!

في الثالث والعشرين من مايو، عام 1498 كان الراهب “جيرولامو سافونارولا” معلقا علي المشنقة والنار المشتعلة تحته تأكل جسده، والجماهير الغاضبة تتأمل هذا المشهد ، وتتنفس الصعداء شاعرة أنها تخلصت من كابوس طويل امتد لعدة سنوات.ا

في نفس المكان بالظبط ، ولكن قبل عام، كان “سافونارولا” وأتباعه من المتدينين المتعصبين الغاضبين مجتمعون حول نار أخري أسموها “حريق الباطل”، فقد أرسلوا الصبية الصغار ليدخلوا بيوت مدينة فلورنسا الايطالية، التي كان يقال عنها في ذلك الوقت أنها “قلب ايطاليا”، هؤلاء الصبية جمعوا من البيوت كل الأشياء التي اشتبهوا في انها تستخدم للمعاصي والفجور مثلا المرايا، أدوات الزينة، طاولات القمار، اوراق اللعب،الخمور، الشعر المستعار..كل شئ.ا

ويقال ان من بين ما جمع في ذلك اليوم لوحات ل”بوتتشيلي” و”مايكل انجلو”..ا
جمع أنصاره كل هذه الأشياء من البيوت ووضعت في كومة كبيرة في وسط المدينة وأضرمت فيها النيران، وكان احتفالا كبيرا يومها بين المتديين داخل وخارج المدينة لذلك الانتصار الساحق علي “الباطل” والذي حققه بطلهم الأسطوري “سافونارولا” حامي حمي الدين والأخلاق.ا

جدير بالذكر أنه قبل ذلك الحدث بعام تقريبا كان “سافونارولا” قد نجح في اجبار حكومة المدينة علي تغليظ عقوبة ممارسة “الشذوذ الجنسي” من الغرامة الي الاعدام ،كما اقترح قانون يجرم ارتداء النساء للفساتين الكاشفة واستعمال ادوات الزينة ،لكن حكومة المدينة رفضت هذا الاقتراح الأخير…ا

المهم ان سافونارولا وصل الي قمة مجده وسيطرته علي المدينة ولم يكن حتي البابا نفسه في روما يستطيع ان يصدر ضده أي قرار، بالرغم من هجومه المتكرر علي الكنيسة واتهامها بالفساد والانحطاط.ا

وحينما هاجم ملك فرنسا شارل الثامن ايطاليا، اراد سافونارولا أن يؤمن فلورنسا من الاحتلال ،حيث كان يعتبرها “جمهوريته المسيحية المؤمنة” وكانت بالنسبة له نواة لأحلامه في تعميم التجربة، ولذلك ذهب للتفاوض مع شارل الثامن علي تأمين نفوذه علي فلورنسا، ويبدو ان شارل الثامن قد قرأ شخصية سافونارولا بشكل صحيح ، فقرر أن يستخدمه في صراعه السياسي لكسب المزيد من الوقت ،فطمأنه علي فلورنسا وعاد سافونارولا من المفاوضات كالأسد المنتصر.ا

كان “سافونا رولا” مهووسا بحق..كان يعتقد انه يتحرك بتأييد الهي ،وأن الله يحميه لينفذ رسالته، وكان هذا الخطاب هو ما يجعل قلوب الفلورنسيين لا تملك الا ان تلتف حوله هربا من واقعهم البائس وحالتهم الاقتصادية المزرية.ا

لكن طال الوقت بفلورنسا، وتمادي “سافونارولا” وجماعته في محاربة “الباطل” و”المعاصي” ومقاومة “العصاة” ولو بالقوة والعنف والدماء، ورغم ذلك لم تأت النجدة الالهية التي وعد بها سافونارولا الناس، ولم تنهض فلورنسا ولم يغادرها الفقر والجوع، بل علي العكس، زاد جوع أهلها وبؤسهم، بل والأسوا من ذلك، عادت فلورنسا تحت حكم “آل ميدتشي” الفاسدين بعد هزيمة شارل الثامن الذي كان يساند “سافونارولا”.ا

كل ذلك جعل سافونارولا يبدو كصنم تهاوي أمام الفلورنسيين، فقد وعدهم بالجنة علي الأرض، ومناهم بحلم زائف، باسم حربه علي الباطل، لكن شيئا مما وعد لم يحدث، بل زادت حياتهم بؤسا وموتا، وصراعا دمويا بين أبناء الأسرة الواحدة تحت دعوي “محاربة الباطل”ا

وتجرأ البابا في روما علي اصدار قرار بالحرمان الكنسي ضد سافونارولا واتهامه بالهرطقة والكفر، وقبض عليه اهل المدينة – الذي كانوا يصفقون له بالأمس ويسبحون باسمه -وعلقوه محتفلين هو ومساعديه علي خشبة واحدة وأشعلوا النار في أجسادهم، شاعرين انهم تخلصوا من الكابوس الذي حول حياتهم جحيما، بعد أن كانوا يرفعوه علي الرؤوس زعيما ورمزا وحلما وأسطورة طالما تمنوا تحقيقها علي الأرض.ا

جدير بالذكر ،أن مشهد حرق “سافونا رولا” الصادم، حضره “ميكيافيللي” في صباه ، وهو ما كان سببا رئيسيا في تشكيل أفكاره بعد ذلك والتي يعتبرها الكثيرون بعيدة عن الاخلاق والدين،

تغمرنا السعادة برؤية تعليقاتكم .... اترك رد