من خلال التأمل في روايات حديث «الطائفة المنصورة» يتبين أن هذا الحديث المتواتر بمجموع رواياته، أصل جامع لمحاسن الصفات والأخلاق، ولأصول الإيمان والإحسان في العبادة والتوجه إلى الله تعالى ونصرة دينه..
يجد فيه المطيع في أزمنة القوة والعزة دافعًا على المضي في الطاعة وعدم النكول، ودافعًا على تربية الذراري وتمرين الأبناء على ذلك المنهج القويم، حتى يبقى التزام الناس بدينهم واعتصامهم بحبل ربهم نقيًّا جيلًا بعد جيل إلى قيام الساعة ويجد فيه الضعيف المغلوب على أمره حافزًا ودافعًا قويًّا على الثبات في أزمنة الضعف والهوان والمحن والفتن.
كما أن الحديث شامل لمعاني التكليف والتشريف معًا، وحصول التشريف لا يكون إلا بفعل التكليف فمن عمل من الأمة بمقتضى الحديث حصل له ما فيه من العزة والكرامة، وبذلك يتم مقصود الحديث.
أبرز صفات هذه الطائفة المنصورة
الصفة الأولى: لا يخلو منها زمان
وهذا الوصف مأخوذ من قوله عز وجل: «لا تزال طائفة»؛ حيث أثبت لها الرسول صلى الله عليه وسلم استمرارية وجودها حتى يأتي أمر الله تعالى قبيل قيام الساعة، ولكنها قد تكون في زمان أكثر وأقوى منها في زمان آخر، وقد تكون في مكان دون مكان، وقد تكون في مكان أقوى وأكثر منها في مكان آخر
وكون هذا الوصف ملازمًا لها يثمر في قلب المسلم التفاؤل والأمل بنصرة هذا الدين والتمكين لأهله وإن كانوا في بعض الأزمنة أو الأمكنة مستضعفين، وهذا ينفي اليأس والإحباط عن القلوب؛ فلا يتطرق إليها في حالات الضعف وانتفاش الباطل.
وإذا أيقن المسلم بوجود الحق وأهله واستمراره وعدم انقطاعه؛ فإن هذا الشعور يدفع المسلم إلى البحث عن هذه الطائفة ولزوم غرْزها والانتماء إليها ونصرتها والصبر على ذلك كله.
الصفة الثانية: كونها طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
جاء في روايات الحديث لفظ «طائفة» كما جاءت ألفاظ متعددة ومرادفة لكلمة «الطائفة» فجاء في أكثر الروايات «لا تزال طائفة»، وفي بعضها: «لايزال ناس» وفي بعضها: «لا يزال قوم»، وأخرى بلفظ: «لا يزال من أمتي أمة»، وفي لفظ: «لا يزال لهذا الأمر أو على هذا الأمر عصابة»..
وكل هذه الألفاظ متقاربة المعنى، والاختلاف بينها اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.
دلالات ألفاظ الحديث
ووصْفُها بأنها «طائفة» أو «قوم» أو «ناس» أو «عصابة» من «أمة محمد» صلى الله عليه وسلم يشمل عدة معان ودلالات:
الأول: كونها جزءًا من هذه الأمة كلها
وهذا ما يفهم من كلمة «طائفة» ومن جملة «من أمتي»؛ حيث إن الطائفة هي الجماعة من الناس وجاء تأكيد هذا بلفظ «مِن» التبعيضية؛ وهذا يبين أنهم فئة من المسلمين خصها الله تعالى بصفات محمودة واصطفاها لنصرة دينه، وليست الأمة كلها.
الثاني: شرفها وفضلها
إذا تبين أن هذه الطائفة التي أثنى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم هي جزء من أمة المسلمين وليس الأمة كلها؛ فإن هذا يُظهر لنا فضلها وشرفها على من سواها من أمة الإسلام، وأنها تمثل مركز الكمال البشري في سيرتها وسلوكها وجهادها لكمال اتباعها للمنهج الحق الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وهذا يذكّر بحديث الفرقة الناجية الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين فرقة وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله قال: «ما أنا عليه وأصحابي ».
إقرأ أيضاً في لحن الحياة
تخلص من الكوليسترول في الدم بتناول 5 أطعمة الطبيعية
ماذا تعلم عن مُقدِّمة ابن خلدون ؟
أسباب ضعف الشعر وأفضل الوصفات الطبيعية للعلاج ونصائح لتقوية الشعر
الصفة الثالثة: كونها على الحق والصراط المستقيم قائمة بأمر الله
وهذا يؤخذ من وصفه صلى الله عليه وسلم لهم في حديث الطائفة المنصورة بأنهم «على الحق»، أو كما جاء في بعض الروايات:
«قائمة بأمر الله»، «على أمر الله»، «على الدين»، وكل ما ورد في هذه الروايات.
فالمقصود من هذا الوصف التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في المعتقد والسلوك والعبادة وحملهم لراية الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يفيد هذا الوصف الثبات على ذلك.
الخارجون عن وصف الطائفة المنصورة
وبهذه الصفة المميزة للطائفة المنصورة يخرج عنهم كل مخالف معادٍ لهم كما يخرج عنهم كل مبتدع مخالف لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ويخرج عنهم كل منافق خائن لدينه وأمته، وأخُص منافقي زماننا من دعاة العلمانية والليبرالية والقومية والوطنية الجاهلية وغيرهم.
كما يخرج عنهم كل مخذِّل مثبط لهم أو ساخر منهم ولو كان بالجملة على معتقد أهل السنة.
كما يخرج عنهم كل حزبي متعصب يعقد الولاء والبراء على حزبه يعادي عليه ويوالي عليه.
كما يخرج عنهم كل صاحب هوى ورياء ومن قصْدُه الدنيا وزينتها؛ لأن أهم صفات القائم بالحق الإخلاص وحسن القصد.
الاتباع للسنة هو الوصف الجامع
ونظرًا لاتباع هذا الطائفة للحديث والأثر وكونها معظِّمة لنصوص الوحيين عاملين بها؛ فقد جاء وصفهم بعدة صفات ترجع إلى وصف واحد ألا وهو «الاتباع وعدم الإبتداع»؛ وذلك لكونهم أهل علم وفقه وحديث وأثر وأهل دعوة وإصلاح في الأمة.
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عند التبويب للحديث ورواياته:
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون» وهم أهل العلم ومستنده في تخصيص تلك الطائفة بأهل العلم هو الحديث الثاني من أحاديث الباب عنده، وهو قول معاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله».
لا يخلو منها زمان، وهي على الحق
دوائر أهل الاسلام:
إن هناك ثلاث دوائر تمثل أهل الإسلام وبعضها أكمل من بعض:
1. أهل القبلة
(الدائرة الأولى): وهي أوسعها فهي دائرة أهل القبلة ويدخل تحتها أهل الإسلام المتبعين والمبتدعين ممن ليست بدعهم مكفرة؛ فهؤلاء هم أهل القبلة الداخلين في دائرة الإسلام.
2. أهل السنة
(الدائرة الثانية): وهي أضيق من الأولى؛ حيث تضم أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية المتبعين غير المبتدعين، ويخرج عن هذه الدائرة الفرق المبتدعة من أهل القبلة.
3. الطائفة المنصورة
(الدائرة الثالثة): فتشتمل على الكُمَّل من أهل السنة والفرقة الناجية وهي الطائفة المنصورة التي حققت كل صفات الفرقة الناجية وضمت إلى ذلك قيامها بنصرة منهج الحق والدعوة إليه وتعليمه والجهاد في سبيله.
ولفظ «الطائفة» فيها معنى الاجتماع والتعاون والارتباط والانطلاق من منهج واحد ثابت، ويؤيد ذلك ما جاء في بعض روايات الحديث: «عصابة» والله أعلم.