لقد امتد الحكم العثماني الإسلامي في تركيا لعدة قرون من الزمن وكما كان لوجوده أثر كبير في التمدد الإسلامي خصوصاً شرق أوروبا فقد حدثت أحداث كثيرة وانقلابات داخل قصور الحكم في تركيا و السلطانة صفية اسم حفرته صاحبته في صفحات التاريخ ليس بجمالها البارع أو بذكائها الحاد وشخصيتها القوية فحسب، بل وبالدم والخديعة أيضاً.
قبل أن تكون زوجة للسلطان العثماني مراد الثالث كانت صفية (1550م-1619م) ابنة مدللة لواحد من أمراء أسرة «بافو» في البندقية «فينسيا»، قد تولى أبوها حكم جزيرة «كورفو» بالبحر المتوسط باعتبارها محطة تجارية وإستراتيجية لتجار البندقية.
اختُطفت الأميرة الصغيرة هي وثُلّة أخرى من نساء البلاط في واحدة من عمليات القرصنة بالبحر، وبيعت كجارية إلى أن انتهى بها المطاف في قصر السلطان العثماني باسطنبول.
احتلت الجارية ذات الأربعة عشر ربيعاً مكانة بارزة بين جواري البلاط بفضل جمالها وشخصيتها المرحة، وباتت محط أنظار الأمراء وتسرى بها السلطان مراد الثالث، فلما أنجبت له ابنه «محمد خان» في عام «974هـ / 1567م» صارت زوجته وأم ولده ولقبت بالسلطانة صفية، وباتت ثالث أقوى سيدة في البلاط العثماني من بعد السلطانة الوالدة «نور بانو» اليهودية الأصل وأسماء أخت السلطان.
واشتهر لدى أهل العاصمة «اسطنبول» أن السلطان مولع بمجالسة «صفية» والتداول معها في شؤون الدولة العلية، وصار كل أمر سلطاني ينسبه العامة لمشورة أو رغبة السلطانة صفية، وبات اسمها يقرن بمقولة شهيرة للسلطان سليمان القانوني مفادها «أن الله إذا أراد خراب دولة سلط على ملوكها النساء».
إقرأ أيضاً في موقع لحن الحياة
كيفية تنظيف أجزاء اللابتوب والعناية بها بشكل جيد
خضار تساعد على الرشاقة وتنحيف الجسم والتخلص من الكرش
فوائد نبات القريص وكيفية استخدامه في الوصفات
رهنت «صفية» سليلة “آل بافو” على أنها جديرة بالانتماء لهذا البيت المعروف الأمراء فيه بإقدامهم على خنق منافسيهم بقلب بارد، وذلك عندما طلبت من ابنها «محمد» أن يتوجه إلى قاعة العرش ليتلقى العزاء في والده الذي يعاني سكرات الموت، وعندما وجد الابن نفسه وحيداً بالقاعة من دون أخوته الثمانية عشر سأل السلطانة صفية عنهم، فأكدت له أنهم قد سبقوا إلى المقبرة ليكونوا في استقبال جثمان والدهم السلطان.
والحقيقة أن سليلة «آل بافو» رتبت بالليل أمر خنق أبناء السلطان الثمانية عشر ليخلو العرش لابنها فقط، وأرسلتهم جثثاً هامدة إلى باطن الأرض قبل أن يلحق بهم جثمان مراد الثالث.
ومن جهته لم يعترض السلطان الجديد «محمد خان بن مراد» على فعلة أمه ليس فقط لأن والده سبق وأن فعل نفس الأمر مع أخوته، لكن قبل ذلك وبعده لأن الفقهاء منذ واقعة فتنة «الأمير جم» مع بايزيد الصاعقة منحوا السلاطين فتوى بجواز قتل من يظن أنه قد يفجر صراعاً حول وراثة العرش.
ظلت السلطانة صفية تتحكم بأمور الدولة وتسيرها كيفما شاءت طيلة فترة حكم السلطان محمد الثالث، وعندما توفي حاولت أن تهيمن على حفيدها «أحمد» الثالث، ولكن الأخير أبعدها عن البلاط وعزلها في قصر منيف شيده لها على البوسفور.
وحين عُزلت، شرعت صفية في البحث عن وسيلة تخلد بها ذكراها بعد أن أفل نجمها، وغلت يدها عن كل سلطة، ووجدت ضالتها في هذا المسجد المشيد بالداودية قرب شارع محمد علي بالقاهرة.
توفيت السلطانة صفية في عام 1619م ، ودفنت بجانب زوجها مراد الثالث في مسجد آيا صوفيا في اسطنبول، ولم يكن يعرف سبب وفاتها.