عاش أهل القريةِ سنين طويلةً في سعادةٍ ورخاء ؛ فقد كانت أرضهُم خصبةً وغنيةً ، تُخرج كلَّ عامٍ محصولاً وفيرًا يملؤونَ منه مخازنَهم وأوعيتَهُمْ و كانت المخازن تفيض ، والأوعية تتشقَّقُ من شدةِ امتلائها وكانَ النّاسُ يأكلون ويُطعِمون أبقارَهُم ، ولا يخافون أن تنفَد الغلال أبدًا فقد كانت أكثر وأوفر من حاجتهم.
ذاتَ يوم ، تسامعتْ طيورُ الغِربان عن هذه القرية الغنيّة الهنيّة فطارت إليها من كلِّ مكانٍ في جماعات كأنّها غَمامةٌ سوداءُ كبيرةٌ ثم حطَّتْ على الأشجارِ المحيطةِ بالحقولِ فلمّا انتهى النّاس من أعمالِهم ، وانصرفوا إلى بيوتِهم هَبَطَتِ الغربان إلى الأرض ، وأكلَت من الغَلَّة حتى أُتْخِمَتْ فعادَتْ إلى مستقرِّها على الأشجار ونامَتْ.
في الصباح ، فوجِئَ أهل القرية بمقدارِ الغلَّةِ التي التهمَتْها الغربان فتجمَّعُوا حولَ الأشجارِ، يصيحون ويلوِّحون بقبضاتِهمْ مُهدِّدين لكن الغربانَ لم تُلقِ إليهم بَالاً وظلَّتْ على أغصانها تنعَب دونَ خوفٍ.
حمل الناس أقواسَهم وسهامَهم ، وأخذوا يطلقون السِّهام على الطيور لكنَّها كانت أذكى من أن يصيبوها إذ كانت تجلسُ بهدوءٍ على الأغصانِ، أو تطيرُ ببطءٍ حولَ الأشجارِ وكلَّما اقترب سهمٌ من أحدها، انحرفَ يمينًا أو شمالاً، فيُخْطِئُهُ السهمُ فيعودُ إلى الغصن مرةً أخرى، ناعبًا، مستهزئًا بحماقةِ الناسِ وإخفاقِهِمْ.
ظلَّتِ الغربان تهبط كلَّ يومٍ إلى الحقول ، فتأكُلُ حتى تشبعَ حتى خافَ الناس أن تقضيَ على غِلالِهِمْ فقالوا لزعيمهم: “إذا لم تُخَلِّصْنا من هذه الغِربان ، ستأكل محصولَنا كلَّه ، وسنموتُ جوعًا”.
قالَ الزَّعيم : “إنَّكم على حقٍّ لكنِّي لا أجدُ حلاًّ لهذه المشكلة ، فهل يعرفُ أحدُكم لها حلاًّ؟”.
قالَ أحدُ الشَّباب : “أرى أن نستدعيَ الصيَّاد العجوز الذي يعيشُ بالقرب من قريتنا فهو أمهر صيَّاد في البلاد ، وسهامُهُ لا تخطئ هدفَها أبدًا”.
وَجَمَ الجميعُ خوفًا وقَلقًا فقد كانَ الصيَّاد يعيش بينهم منذُ زَمَنٍ بعيدٍ ، لكنَّهم اتَّهموه أنّه يُصيبُ فريستَه بقوَّةِ السِّحر وليس بدقَّةِ التَّسديد فطَردوه من قريتِهِمْ .
وهاهو الآنَ يعيش في كوخٍ صغيرٍ بين شُجَيرات الشَّوكِ الهزيلةِ وهاهم يحتاجونَ إليه الآن فمنْ منهم يجرؤ على الذَّهابِ إليه؟!!.
قالَ الزَّعيمُ: “من يدلُّني على مكانِهِ فأذهبَ إليه؟”.. فصَحِبَهُ الشَّابُّ صاحبُ الاقتراحِ.
خَجِلَ الزَّعيم من حالِ الصيَّادِ ؛ فقد كانَ يعيشُ وحيدًا في بيتِه ، ويرتدي أسمالاً باليةً ، ويتغذَّى ممَّا يَصيدُهُ بقوسه وسهامه لكنَّه استجمَع جُرأَتَه وقالَ له: “إنَّ أهلَ القريةِ نادمون على ما أصابَك منهم، ويُرسلونَ لك تحيَّاتِهم فهم ما زالوا يذكرونَ مهارتَكَ في الصَّيد ويعتذرونَ، وأشغالُهُمْ قد مَنعَتْهُمْ من زيارتِك من قبلُ”.
نظرَ إليه الصيَّادُ بتأمُّلٍ.. ولم يقُلْ شيئًا.
تابعَ الزَّعيم : إنَّنا نعاني من الغِربان التي حطَّتْ على أشجارِنا والتهمَتْ غِلالَنا.. ولا نعرفُ كيف نتخلَّصُ منها”.
ردَّ الصيَّادُ بحَسْم : “صِيدُوها.. هكذا تتخلَّصونَ منها”.
قال الزَّعيمُ : “إنها أشدُّ ذكاءً ومهارةً مِنَّا.. وتتحرَّك بسرعةٍ فلا تصيبُها سهامُنا”.
إقرأ المزيد في موقع لحن الحياة
صور طريفة مضحكة جدا ومسلية very funny pictures
كيفية زيادة أداء ويندوز 10 وجعله يعمل بشكل أسرع دون التغيير إلى هارد ssd
جواب اللغز الحسابي الذي يقول ذهبت لأشتري جاكيت
كيف أعرف أن زوجي يحبني .. علامات تدل على حب الزوج لزوجته
بعد تفكيرٍ ، قال الصيَّاد : “لن أساعدَكُمْ فقد اتَّهمتُموني زُورًا وطَرَدْتُموني من قريتكم فأنا الآنَ لا أَنتمي إليكم” وأخذَ الزَّعيم يرجو الصيَّاد أن ينقذَهُمْ من الغِربانِ حتى وافقَ أخيرًا، وحملَ قوسَهُ وسهامَه ، وعاد معه إلى القريةِ.
استقبَلَهُ الناسُ بالتَّرحيب والهُتاف وفي صباحِ اليومِ التالي، خرجُوا معَهُ إلى الحقولِ حاملينَ أقواسَهُم وسهامَهُم.
ومن بعيدٍ، رأتْهُم الغربانُ مُقبلين ، يتقدَّمُهم الصيَّاد فانطلَقَتْ تَنْعَبُ معبِّرةً عن تمسُّكِها بالإقامةِ على هذه الأشجارِ، وتمتُّعِها بالطَّعام الوَفيرِ ونفشَ قائدُ الغِربانِ ريشَهُ، ونفخَ صدرَهُ، وأخذ يقفزُ على غُصنِهِ، وينعَبُ بأعلى صوتِهِ، ساخرًا من أهل القريةِ وصيَّادِهمْ الماهِر .
أخرجَ الصيَّاد سهمًا من جَعْبَتِه ، وشدَّه في قوسِه ثم أطلقَهُ نحو قائدِ الغربان وانحرفَ الغراب إلى اليمينِ برشاقةٍ ، لكنَّ الصيادَ كان مستعدًّا لتلك الخُدعة ، فسدَّدَ سهمَهُ في الاتِّجاهِ المتوقَّعِ فأصابَ قلبَ قائدِ الغربان ، فسقطَ على الأرضِ قتيلاً.
توقَّفَتِ الغربانُ عن النعيب ، ووقفت مشدوهة للحظاتٍ، فأطلقَ عليها أهلُ القريةِ سهامَهُم ، فأصابوا أكثرَها وفرَّت بقيَّتُها طائرةً إلى التلال البعيدة.
احتفلَ الناسُ بالتخلُّصِ من الغِربان ، وأعلنوا الصيَّادَ زعيمًا لهم وأَسْكنوه في أكبرِ دارٍ في القرية وقدَّموا له ستَّ بَقَراتٍ هديةً، وملؤوا مخازنَه بالغِلال.
قَبِلَ الصيَّادُ المنصِبَ والهدايا وكانَ رجُلاً حكيمًا نزيهًا ؛ لا يجور على حقوقِ النَّاسِ، ويحكمُ بينهم بالعدل ، ولا يتَّخذُ قرارًا إلا بعد استشارتِهم فأحبُّوه ورضُوا بزعامتِهِ.
مرت الأيَّام ، وعمَّ الرَّخاء من جديدٍ، وعاشَ النَّاسُ آمنينَ هانئينَ ونَسُوا مِحْنَةَ الغِربان فعادُوا ينتقدون زعيمَهُمُ الصيَّاد ، ويقولونَ: “لقد أعطيناهُ أكثرَ مما يستحقُّ من المكانة والكرامة”.
ويردِّدونَ: “إنَّهُ ليس ماهرًا وإنما يملِكُ قوةً سحريَّةً تُعينُهُ على إصابةِ الهدفِ”.
وانتشَرَتْ شائِعاتٌ تقولُ: “إذا كان قد استخدمَ السِّحرَ للتغلُّبِ على الغِربانِ فلابدَّ أنَّه سيستخدِمُهُ ذاتَ يومٍ للتغلُّبِ علينا” فثارَ عليهِ النَّاسُ، وأحاطوا بدارِهِ يطالبونَهُ بالرَّحيلِ عن قريتهم.
خرجَ إليهم الصيَّادُ مُتعجِّبًا، وسألَهُمْ: “هل أسأتُ إلى أحدٍ منكم، أو آذيتُهُ؟!!. هل ظلَمْتُ أحدَكُمْ أو اعتدَيْتُ على حَقِّهِ؟!!”.
فتصايَحوا قائلين: “إنَّنا نخافُكَ ونخافُ قوَّتَكَ ، ولا نريدُكَ بيننا فارحلْ عنَّا”.
ارتَدى الصيَّادُ أسمالَهُ القديمةَ ، وحملَ قوسَهُ وسهامَهُ.. وغادرَ الدَّارَ ، والقريةَ كلَّها.. عائدًا إلى كوخه الصغيرِ بين شُجَيراتِ الشَّوكِ العَتيقةِ.
تنهَّدَ الناسُ ارتياحًا، وباتوا يغنُّونَ ويرقُصونَ ابتهاجًا بتخلُّصِهم من الصيَّادِ لذلك لمْ يلاحظوا الغِربانَ التي تَسَلَّلَتْ من كلِّ صَوْبٍ، وحطَّتْ على الأَغصانِ؛ تراقبُ احتفالَهُمْ في هُدوء.
في الصَّباحِ التَّالي، رأى النَّاسُ أنَّ الغِربانَ قد عادتْ إلى أشجارِهِمْ، وهَبَطَتْ منها على حُقولِهِمْ، وهاهي تأكلُ غَلَّتَهُمْ بِنَهَمٍ وشَرَاهةٍ فانطلقوا يُوَلوِلونَ ويقولون: “لابدَّ أن نسترضيَ الصيَّادَ ليحضُرَ مرةً أُخرى ويَطردَ هذه الطُّيورَ”.
استمرت الغربان في التهامِ المحاصيلِ، وخرجَ جماعةٌ من كبارِ القومِ لزيارة الصيَّادِ العجوزِ.. فوجدوه ممدَّدًا على الأرضِ خلفَ كوخه.. فوقفوا أمامَهُ بمذلَّةٍ، وقالُوا: “تعالَ أيُّها الصيَّادُ الكريمُ وأنقِذْنا ارجِعْ معنا وأَنقذْ أهلَكَ وقريتَكَ من الغِربانِ.. وسوفَ نردُّ إليكَ دارَكَ وأبقارَكَ.. وننصِّبُكْ ملكًا علينا.. ونطيعُكَ ونحترمُك طَوالَ حياتنا”.
نظَرَ الصيَّادُ إلى هؤلاء النَّاسِ الجاحدينَ الواقفينَ أمامَهُ يَرجُونَهُ ثمَّ نظرَ إلى كوخه البائِسِ الذي يعيشُ فيه وإلى شُجَيرةِ الشَّوكِ التي يستظلُّ بها وإلى الأرضِ الصُّلبَةِ المشقَّقَةِ التي ينامُ عليها ثُّمَ قالَ لهم: “لا”.
وفعلا أصبحت محاصيل القرية وثمارها طعاما للغربان وانقلب حال القرية بسبب جحودهم ونكرانهم