هو لقمان بن عنقاء بن سدون ، ويُقال: لقمان بن ثاران .
كان عبداً حبشيّاً أسودَ قصيراً، منخفض قصبة الأنف ، غليظ الشفتَين ، مُشقَّق القدمَين .
وكان رجلاً صالحاً مُكرِماً للجار غاضّاً للبصر عفيف المَطعم عابداً لله مُوفِياً بعهده أميناً حافظاً للسان حكيماً وعالماً ، وكان يترك ما لا يعنيه ، كما كان عميق النظر في الأمور ويُطيل السكوت ولا يتحدّث إلّا بالحكمة .
وصايا لقمان لابنه
أوصى لقمان الحكيم ابنه بوصايا جمعت بين أصول العقيدة والشريعة والأخلاق وتقدير قدرة الله تعالى ونفاذها في خلقه وإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر والصبر على ما نزل به من مصائب والاتِّصاف بلِين الجانب والابتعاد عن التكبُّر والتحدُّث إلى الناس بلُطف مع خفض الصوت والابتعاد عن الغلظة في الكلام .
ومن الوصايا المُتعلِّقة بأصول العقيدة التوحيد :
● التوحيد : وذلك بقوله: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، حيث أمرَ ابنَه أن يعبدَ الله -عزّ وجلّ- وحدَه ، ونهاه أن يعبدَ غيره ، وأخبره أنّ الشرك ظلم عظيم ، فهو ظلمٌ لما فيه من وَضعٍ للشيء في غير مكانه ، وعظيمٌ لما فيه من التسوية بين المُدبِّر لكلّ شيء ومن لا يملك نفعاً، ولا ضَرّاً من الأصنام .
● التذكير بالحساب وعلم الله الواسع : وذلك بقول الله -تعالى-: (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ، فإلى الله -عزّ وجلّ- المرجع، لا ملجأ منه -سبحانه- إلّا إليه، فينبّئ الإنسانَ بما غاب عنه من أمور في الدنيا حيث إنّ الإنسان ينسى ، والله لا يخفى عليه شيء، ولا ينسى ما اقترفه الإنسان من الذنوب، كما لا يخفى عنه ما أدّاه من العبادات .
الوصايا المُتعلّقة بالأعمال الصالحة
أوصى لقمان ابنه بجملةٍ من الوصايا التي فيها أعمالٌ صالحة، ومنها:
● البِرّ بالوالدين: وذلك في قوله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ*وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) ، ففي الآية الكريمة جملة الحثّ على بِرّ الوالدين، وبيان لحالهما، والجهد المبذول منهما تجاه أولادهما، وما تعانيه الأمّ من جهد الحمل، وتعب الإرضاع، بالإضافة إلى طلب الشكر للوالدين؛ لأنّه من الشكر لله، وأمرٌ لمَن كان أبواه على الشرك بالإحسان إليهما، وعدم طاعتهما في شركهما.
● إقامة الصلاة: وذلك بقوله: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) ، وكان ذلك انتقالاً منه إلى تعليم ابنه أصول الأعمال الصالحة بعد أن كان يُعلّمه أصول العقيدة ، فبدأ بأهمّ الأعمال وهي الصلاة، والتي هي عمود الدين، وأمره بأن يبقى مُقيماً للصلاة، ومُحافظاً عليها ،لأنّها من أعظم القُربات إلى الله -عزّ وجلّ-.
● الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وذلك بقوله: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ)؛[٩] وهذه من أعظم القُربات التي قد يفعلها العبد، وهي السبب الذي بعث الله الأنبياء لأجله، وتكمن أهمّية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في حفظ مصالح العباد، وحقوقهم، فالضرورات الخمس المعروفة لا يتمّ الحفاظ عليها إلّا من خلال الأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، وهي سبيل صَون العقيدة، وحفظ الفضيلة، وفلاح الأمّة، ونَصرها.[١١] الصبر: وذلك بقوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)؛[٩] إذ أمر ابنَه بأن يتحمّل ما ينزل به من مصائب، وحوادث، وأوصاه بالصبر بعد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنّه سوف يتعرّض للإيذاء؛ جرّاء هذين الأمرَين، فإن صبر فإنّ الله سيجزيه الأجر العظيم .