أشارك معكم اليوم ذكريات جراح الماضي علها توصل لكم عبرة أو احساس جديد أو مفهوم مختلف للتعامل مع مواقف الحياة
عندما نكبر لا نستطيع الاحتفاظ بذكريات خطواتنا الأولى التي خطيناها في بداية مشوار العمر ولا نستطيع أن نلاحظ فرحتنا الكبيرة بإنجاز هذه الخطوات و أيضا سعادة أهلنا من حولنا بالطفل الصغير وهو يخطو ويضحك.
ذكرى لا بد انها منعشة لأرواحنا الضائعة بين الأماني و حقيقة الحياة لو نستطيع استعادتها وأظن لهذا السبب تغمرنا السعادة عندما نرى أبناءنا قد جاؤوا ليبدأوا ما بدأناه كي تستمر عجلة الحياة في الدوران.
كان لا بد أن تبدأ مصاعب الحياة و قسوة البشر ان ترمي عليّ أحمالها منذ الصف الأول الابتدائي حيث كانت أبسط الرغبات لأي طفل بالنسبة لي حلماً من الخيال ابتداءً من الطعام وانتهاء بالألعاب البسيطة.
تعلمت في هذه المرحلة كم هو عظيم جدا أن ترفض رغبات طفل صغير يريدها بشدة مهما بدت بسيطة وكم يمكن أن تؤثر الكلمات في نفسه وتعمل عملها في عقله وقد تترك تلك الرغبات المنكسرة ندوباً قاسية الملامح في روحه وعزيمته وشخصيته.
كان النظر لأطفال آخرين يملكون كل شيء بالنسبة لطفل أمرا محيراً و مؤلماً حيث لم تكن مفاهيم المادة و المال مفهومة جداً كان لا بد من التساؤل في أعماق نفسي التي تحدثني كثيراً ولكن دون إجابةٍ واضحة.
وكانت من المواقف المصدعة بالنسبة لي انه في أحد الصفوف جاءنا أستاذ قاسي الطباع و حاد وكان يطلب من التلاميذ إحضار دفتر منفصل لكل مادة.
وكان حال عائلتي المادي في القاع لكني كنت احب الدراسة والمدرسة وأحاول أن أقوم بواجباتي على أتم وجه وبسبب الوضع السيء جداً في تلك السنة لم يكن أهلي قادرين الا على إحضار دفتر واحد لي فقمت بتقسيمه حسب كل مادة بشكل منفصل كي لا أكلف أهلي اكثر من طاقتهم وذلك بعد عدة تنبيهات من المعلم آنذاك للتلاميذ بشكل عام.
حتى جاء يوم أراد ذلك المعلم تفتيش دفاترنا والتأكد من أن كل تلميذ يحمل ٤ دفاتر منفصلة وقد كنت الوحيد آنذاك الذي خالف ذلك وقد ألقى على وجهي أشد كلمات التوبيخ حتى انفجرت عيناي بالدموع حين لم أجد ما أرد به على ذلك الأستاذ الكبير المتعلم الذي ينتمي لعائلة ميسورة في القرية.
ولم يكتفي بذلك بل أراد ضربي حتى وقفت إحدى الطالبات وقالت للأستاذ بانفعال يا استاذ إن إبراهيم من عائلة فقيرة جداً حيث يسكن هو قرب منزلنا ودكان والدي وكثير ما يستدين أهله من دكاننا أبسط الأشياء حتى دفتره الوحيد الذي يملكه وهنا لم يعد بإمكاني أبدا ان اجد طريقة أوقف بها شلال الدموع وحرقة القلب بسبب هذا الموقف لم أكن أرغب أن أكون في هذا الحال في أعين زملائي.
تجاهل الأستاذ هذا الموقف وطلب مني العودة لمقعدي دون أن يضيف كلمات أخرى.
مرت ايام واسابيع وانا اصارع ذلك الموقف الذي تمت إعادته في ذاكرتي مئات المرات وبصراحة قد لا أذكر إلا هذا الموقف تلك السنة….
يتبع
من مذكراتي
بقلم إبراهيم ماهر Ibrahim maher