يبدو أن ختان النساء ليس الجريمة الوحيدة ضد المرأة، فكما تقوم بعض الشعوب بعمليات «ختان الإناث» بحجة الحفاظ على العفة، تقوم شعوب أخرى بكي ثدي الفتاة لحمايتها من التحرش والاغتصاب.
كي الثدي Breast Ironing أو تسطيح الثدي Breast flattening هو قص أو تلفيق أو بالأحرى كي ثديي الفتاة، وذلك باستخدام الصلب أو أشياء أخرى ساخنة في محاولة لجعلها تتوقف عن النمو أو حتى تختفي كُليا.
هذا وقد بينت العديد من الدراسات أن نسبة كبيرة من عمليات كي الثدي قامت بها أًمهات لبناتهن المُراهقات وذلك قصد حمايتهن من التحرش الجنسي أو الاغتصاب أو حتى لمنعهن من الحمل المُبكر والذي من شأنه تشويه وتدمير شرف وسمعة العائلة.
كما أشارت نفس الدراسات إلى أن هناك من الأمهات من قامت بذلك من أجل السماح لفتاتها بمواصلة التعليم والدراسة بدلا من أن تضطر إلى الزواج المبكر خاصة لو بلغت بسُرعة وفي سن صغير.
انتشار ظاهرة كي الثدي أو تسطيح الثدي
تنتشر ظاهرة كي الثدي في مُعظم مناطق الكاميرون وكذلك أجزاء من غرب أفريقيا ووسطها، كما تنتشر -بشكل محدود- في البنين، تشاد، ساحل العاج، غينيا-بيساو، غينيا-كوناكري، كينيا، توغو والزمبابوي، وكانت موجودة في جنوب أفريقيا إلا أنها حُظرت بعد تنديد العديد من الجمعيات الحقوقية بهذه الظاهرة والضغط المتكرر على الحكومة من أجل سن مشروع قانون يمنع ويُعاقب أي شخص كيف ما كان نوعه وكيف ما كانت قرابته بالفتاة من كي ثديها.
إقرأ أيضا في موقع لحن الحياة
7 طرق بسيطة للحصول على بطن مشدود مسطح و نحيف خلال شهر واحد فقط
أعراض الحمل كيف تعرف المرأة أنها حامل
تعرف على أسنانك أنواع الأسنان و أشكالها و وظائفها
على الرغم من ان هذه الظاهرة لم تعد مُنتشرة بكثرة كما كانت من قبل، لكنها لا زالت تعرف انتشارا واسعا في أجزاء من دولة الكاميرون؛ وذلك بسبب الاعتقاد السائد هناك والذي يُفيد بأن كبر وبروز ثديي الفتاة دليل على استعدادها و”رغبتها” في ممارسة الجنس، لذلك تقوم بعض الأمهات “غصبا” عنها بكيِّ ثدي ابنتها لحمايتها. وكانت بعض التقارير قد أشارت إلى أن هذه الظاهرة لم تكن وليدة اللحظة بل عانت الفتيات في بريطانيا منها في وقت سابق. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الأدوات الأكثر استخداما عند القيام بهذه العملية هي المدقة والتي عادة ما تكون خشبية، لكن هذا لا ينفي استخدام أدوات أخرى من قبيل جوز الهند الذي يتميز بصلابته، وكذلك الملاعق مثلا حيث يتم تسخينها على قنينة الغاز أو فوق الفحم ثم وضعها على حلمة الثدي لمنعها من البروز.
وفي دراسة استقصائية أجرتها وكالة التنمية الألمانية (GIZ) إلى أن أكثر من 5000 فتات كاميرونية قد تم كي ثدييها، وقد شملت الدراسة عددا محدودا من النساء وفي منطقة معينة، وهذا يعني أن العدد أكبر بكثير؛ حيث رجحت نفس الدراسة أن ما يقرب من فتاة بين كل أربعة قد تم كي ثديها، وهذا يُشير إلى أن إجمالي النساء الذين قد تم كي ثديهم في الكاميرون يتجاوز 4 مليون فتاة. وقد ذكرت -نفس الدراسة- أن هذه العملية شائعة في المناطق الحضرية حيث الأمهات يخفن على بناتهن أكثر خاصة عندما يكن عرضة للاعتداء الجنسي. هذا وتجدر الإشارة إلى أن عملية كي الثدي ترتكز في جنوب شرق المنطقة الساحلية الكاميرونية؛ حيث أن 53% من نسائها ثم كي ثديهن في فترة من الفترات، وتعرف هذه الظاهرة انتشارا كبيرا بين النساء المسيحيات أو الإحيائيات (يرتكزن في الجنوب) مُقارنة بالنساء المسلمات (يرتكزن في الشمال) والذين يكدن لا يعرفن عن هذه الظاهرة شيئا، خاصة وأن أقل من 10% منهن قد تم كي ثديهن، ويُعزى عدم انتشار هذه الظاهرة في صفوف المسلمات إلى الزواج المبكر، ففي شمال الكاميرون يتم تزويج الفتاة المسلمة ما إن تبلغ وهذا يُجنبها بشكل أو بآخر هذا الامر.
عادت ظاهرة كي الثدي في الكاميرون للواجهة مرة أخرى، وذلك بسبب بلوغ الفتيات في سن صغيرة ويُعزى هذا إلى التحسينات الغذائية التي عرفتها الكاميرون على مدى السنوات الـ 50 الماضية. وحسب مجموعة من التقارير فإن نصف الفتيات الكاميرونيات قد بلغن في سن التاسعة، و38% منهن قد بلغن في سن الحادية عشر، بالإضافة إلى ذلك فمنذ عام 1976 والكاميرون تشهد انخفاضا كبيرا في نسبة النساء المتزوجات في سن التاسعة عشر، وكانت النسبة قد انخفضت من 50% إلى أقل من 20% بحلول سنة 2018، وهذا يؤدي على نحو متزايد إلى زيادة المدة بين المراهقة والزواج مما يعني زيادة نسبة تعرض الفتيات لكي الثدي.
طبياً:
عملية كي الثدي مُؤلمة للغاية، بل يُمكن أن تُسبب ضررا في الأنسجة، لكن لم تكن هناك أي دراسات طبية على آثاره؛ ومع ذلك فالخبراء في مجال الطب يُحذرون من أن هذه “العملية” قد تُساهم في سرطان الثدي، الكيسة وحتى الاكتئاب وربما تتداخل مع الرضاعة الطبيعية في وقت لاحق.
أما الآثار الجانبية المُحتملة الأخرى فقد ذُكرت من قبل GIZ وهي تشمل التهابات حادة في الثدي، تشكيل الخراجات، إتلاف الثدي وعجزه عن القيام بوظيفته الأساسية وحتى الثانوية، أما استعمال أدوات حادة أو ساخنة عن اللزوم أو شيء من هذا القبيل فقد يُؤثر بشكل كبير على الثدي كما قد يسحق إحدى الغدد المتواجدة فيه، بالإضافة إلى عواقب صحية ونفسية أخرى.
رفض أوروبي:
عبرت نيكي مورجان، عضوة مجلس العموم عن حزب المحافظين، عن رفضها لهذه العادة الوحشية وطالبت المعلمين بضرورة اتخاذ إجراءات للعلم بهذه الانتهاكات المحزنة، وأن يكون لهم دور مهم في مكافحتها.
ومن جانبها أكدت وزارة الداخلية البريطانية أن من واجب المعلمين الإبلاغ عن أي مخاوف حيال تعرض الفتيات لهذه الممارسات.
وأضافت كيري تانكس، الرئيسة المشاركة للاتحاد الوطني للتعليم:” يجب على طواقم العمل بالمدارس خاصة معلمي ومعلمات التربية البدنية بتعلم كيفية ملاحظة علامات كي الثديين، كما شددت على ضرورة نشر الوعي بجميع المدارس بهذا الإجراء بالطريقة نفسها التي يتم بها التوعية بقضية ختان الإناث بحلول عام 2020، ليكون جزءا إجباريا من حصص تعليم العلاقات والجنس في المدارس الثانوية في بريطانيا.
مأساة فتاة :
تحكي فتاة تدعي ” كينايا” تعود أصولها إلى غرب أفريقيا تعرضت لكي الثديين وهي في العاشرة من عمرها، مضيفة أن والدتها هددتها بأنها إن لم تقم بهذا الإجراء فسوف يتردد عليها الرجال للتحرش بها.
وتابعت كينايا: “لا يستطيع الزمن أن يمحو هذا النوع من الألم لذلك كنت حريصة على ألا أعرض ابنتي لهذا الألم الدائم، حيث إن حينها كان حتى الصراخ غير مسموح به تجنبًا لجلب العار للأهل وكي لا يتم وصفي بالفتاة الضعيفة “، مؤكدة أنها قررت ترك بلادها مؤخرًا والهجرة بعيدًا عن أسرتها مخافة أن ينفذوا عملية كي الثديين لبناتها دون موافقتها.
“ميرابل” ايضاً هي فتاة من الكاميرون تعيش في نيجيريا، وبلوغها العاشرة كان يعني بداية التعذيب اليومي وهو قيام والدتها بكي ثدييها بالحجارة الساخنة.
كل صباح يأتي أحد من الحي الذي تسكن فيه ميرابل ليثبت ساقيها بشكل قوي، في حين تقوم والدتها بأخذ مدقة كانت قد وضعتها بالنار، وتقوم بضغطها على صدر صغيرتها في محاولة جعله مسطحاً.. وهذه العملية يمكن أن تعاد لشهور أو حتى لسنوات، وهدفها إيقاف نمو الأثداء لدى الفتيات الصغار أو جعلهم مسطحين عند نضوجهن كي يتم جعل الفتيات غير مرغوبات للرجال.
احصائيات:
حوالي ربع النساء من الكاميرون خضعن لعملية كي الثدي، وقد وصفت الUN عملية كي الثدي بأنها أكثر الجرائم غير المفصوح عنها المتعلقة بالعنف الجنسي، والمقدر أنها تؤثر على 3.8 مليون إمرأة حول العالم.
كما أنه في المجتمعات التي لجئت إليها أنجيلا وميرابل العديد من قصص التحرش الجنسي، على سبيل المثال:
“في هذه الأيام لا يمكنكِ أن تخرجي من المنزل إلا لتقابلي رجلاً يعرض عليكِ ممارسة الجنس أو يدعوك إلى منزله.. لا يوجد فتاة آمنة هنا”، وتضيف: “التحرش الذي واجهته ابنتي جعل قرارنا (كي الثدي) أسهل”.
معظم النساء المواجهة صعوبات الحصول على عمل، كما أن مواجهتهن لجرائم التحرش الجنسي يجعلهن بعرضة أكبر لما وصفته الUN ب”الجنس للبقاء على الحياة”؛ وهو لجوء النساء إلى البغاء بدافع اليأس.
وحتى في بلادهن، الفتيات في الكاميرون يواجهن خطورة الزواج والحمل المبكر، كما أنه وعلى الرغم من أن أهالي الفتيات يقومون بعملية كي الثدي لوقايتهن من التحرش الجنسي، يوجد مجموعة أخرى تقوم هذه العملية بهدف التشبه بالآخرين، مثل باميلا التي رأت أن صديقتاها الإثنتان اللتان قامتا بكي أثداء صغيراتهما، فقالت:”كان علي فعلها مثلما فعلها الجميع”.
خطر التحرش الذي يقلق أهالي الفتيات جعلهم يعرضون فتياتهم لهذا النوع من المخاطر الجسدية والنفسية، ولكن ما يحتاجه هؤلاء الأهالي هو أن يتم توعيتهم وتحذيرهم بأن كي أثداء فتياتهم لن يمنع عقولاً مريضة بالتحرش بأطفال وفتيات صغيرات وأن العملية والفعل الذي يجب أن يطبق هو أن تتم معاقبة المتحرشيين المستغلين أوضاع هذه المجتمعات الضعيفة….