قصة موت مُعلن، غابرييل غارسيا ماركيز

للروائي الكولومبي الكبير (غابرييل غارسيا ماركيز) أعمالٌ كثيرةٌ جدّاً، وكلها روائعٌ بلغت شهرتها العالمية، ويحار القرّاء والنّقاد دوماً في تصنيف أعماله بحسب الجودة فمنهم من يعتبر (مئة عام من العزلة) أفضل أعماله، وآخرين يختارون (خريف البطريرك)، والكثير من القرّاء يعتبرون (الحب في زمن الكورونا) خيرة أعماله وأفضلها، وكل هذه الآراء لا تُجانب الصواب وأحترمها وأجد مسوّغاً لاختيارها، لكنّي أميل(برأيٍ شخصيٍّ بحت) لاعتبار هذا العمل الأدبي (قصة موت مُعلن) الأكثر جرأةً ومهارةً في تقنيات السرد الروائي عند (ماركيز)، وسبب ذلك أبيّنه في النقاط الآتية:

_في الصفحة الأولى من الرواية يُطلعنا (ماركيز) على نهاية روايته ونتيجتها وهي أنّ بطل العمل (سانتياغو نصّار) سيُنحر بسكين ذبح الخنازير، وسيتمّ تقطيعه كأنهم يعدّون حفلة شواء، والسبب في ذلك أنّ عروسةً كاذبةً وشت به في ليلة دخلتها بأنّه كان السبب في فقدانها لعذريتها (التي كانت مصونة)، فاحتدم أخواها واستشاطا غضباً، وامتلأ قلبيهما غلاً وكمداً وكيداً فقررا قتله لاستعادة شرف العائلة المهدور، وهكذا يكشف الأخوان نواياهما الدمويّة على ملأٍ من النّاس، دون أن يردعهما خوفٌ أو تردّد، ويستدلا على مكان (سانتياغو نصّار) لتنفيذ مأربهما، وبالفعل ينجحان ويقتلانه.

_ نشر (ماركيز) عمله هذا عام 1981 أي في أوج عطائه وشهرته، وهنا تكمن الجرأة والمغامرة، فروايته (قصة موت معلن) مكشوفة النتيجة منذ الصفحة الأولى، وكأنّ (مركيز) يخبرنا بأنّه لن يعتمد على عنصر التشويق في هذا العمل، بل فقط تقنية السرد التي سيعتمدها في هذه الرواية هي وحدها التي ستشدّ القارئ حتى النهاية، وبالفعل أسلوبه السردي جعلنا نستمر طوعاً بقراءةٍ متلهفة حتى الصفحة الأخيرة، والواقع أنّ (ماركيز) لو لم يكن متمكّناً جدّاً من أصالة عمله وجودته (واحتوائه على عنصر تشويق ثانوي مختلف عن موضوع الرواية الرئيسي ولكن يدعمه في آن) لما نشره أصلاً، لأنه سيكون بمثابة الفضيحة الأدبية، لكنّه غامر وتفوّق بهذا النص على الكثير من أعماله السابقة ونال في العام الذي يليه مباشرةً جائزة نوبل في الأدب.

_صدرت هذه القصة أو الرواية القصيرة (نوفيلا) عن دار الحقائق/ حمص، وتقع في 87 صفحة من القطع المتوسط، وترجمها (أكرم عبّود) بمهارةٍ وسلاسةٍ لغويةٍ تجعلنا ننهيها في جلسةٍ واحدةٍ زاخرة بالمتعة والتسلية.

تغمرنا السعادة برؤية تعليقاتكم .... اترك رد