يكثير منا شاهد مسلسل الجريمة الإسباني «لاكاسا دي بابل» أو ربما سمعنا به على أقل تقدير..
ولربما سيتحدث لنا كل من شاهده عن رصده لإحدى المتلازمات المتعلقة بالخطف والجريمة والاعتقال..
المتلازمة التي تجعل من الجلّاد بطلًا أو شخصيةً مثيرةً للتعاطف والحب والإعجاب..
إنها متلازمة ستوكهولم..عندما تعشق الضحية جلادها!!..
إن كنت تسمع بهذا المصطلح للمرة الأولى تابع هذا المقال:
ماهي متلازمة ستوكهولم؟
مصطلح (Stockholm Syndrome) أو مايعرف بمتلازمة ستوكهولم..
هي استجابة عاطفية لأنواع مختلفة من الصدمات تسمح للضحية بخلق مشاعر عاطفية تجاه المعتدي أو الخاطف والتعاطف معه بدلا من الخوف منه..
لذلك الكثير يسمونها…عندما تعشق الضحية جلادها…
إذ يتطور لدى المصاب بها مشاعر إيجابية تجاه آسريه أو المعتدين عليه بمرور الوقت.
ويعتقد العلماء ان المرء عندما يوضع في موقف يشعر فيه بأنه عاجز عن التحكم في مصيره..
يشعر بالخوف الشديد من التعرض للأذى الجسدي ويؤمن بأن كل السيطرة تقع تحت يد الشخص المُعذِّب والآسر..
ومن هنا قد تنتج استراتيجية للبقاء والنجاة والتي تتطور لتصبح استجابة نفسية تتضمن التعاطف والدعم للشخص الذي يأسره أو يعذبه.
من أين جاءت تسمية هذه المتلازمة؟
حصلت هذه الحالة في أكثر من بلد حول العالم وتعد حادثة مدينة ستوكهولهم أشهرها والتي حملت المتلازمة اسمها…
وسنسرد عدداً من هذه الحالات:
- حصلت هذه الحالة على اسمها من حادثة سطو بنك عام 1973 وقعت في ستوكهولم في السويد.
وقد أصبح العديد من موظفي البنك المأسورين خلال المواجهة التي استمرت ستة أيام مع الشرطة، متعاطفين مع لصوص البنوك.
وبعد إطلاق سراحهم، رفض بعض موظفي البنك الإدلاء بشهادتهم ضد لصوص البنوك في المحكمة..
بل وقاموا بجمع الأموال للدفاع عنهم.
ذكرت إحدى الرهائن، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه..
أنها تثق تمامًا بخاطفيها لكنها تخشى أن تموت في هجوم للشرطة على المبنى.
وبعد هذه الحادثة طور عالم الجريمة والطبيب النفسي الذي حقق في الحادث مصطلح «متلازمة ستوكهولم»..
وذلك لوصف التقارب الذي أظهره بعض موظفي البنك تجاه لصوص البنوك.
- مثال آخر قد يكون الأكثر شهرة على متلازمة ستوكهولم..
هو ذلك الذي ينطوي على حادثة اختطاف باتي هيرست.
ففي عام 1974، وبعد حوالي 10 أسابيع من احتجازها كرهينة من قبل جيش التحرير التكافلي..
ساعدت هيرست خاطفيها في سرقة بنك في كاليفورنيا.
- حادثة أخرى تذكرنا بالمتلازمة هي أزمة الرهائن في إيران (1979-1981)..
- عملية اختطاف طائرة تي دبليو أي الرحلة 847، التي تبنتها مجموعة أطلقت على نفسها «منظمة المضطهدين في الأرض»
فعلى الرغم من خضوع الركاب لمحنة رهائن استمرت أكثر من أسبوعين..
كان البعض متعاطفًا بشكل علني مع مطالب خاطفيهم عند إطلاق سراحهم.
- ومن الحوادث الشهيرة أيضًا حادثة ناتاشا كامبوش (1998)..
عندما اختطفت ناتاشا البالغة من العمر 10 سنوات ووضعت تحت الأرض في غرفة مظلمة ومعزولة..
وقد احتجزها خاطفها وولفغانغ بيكلوبيل لأكثر من 8 سنوات.
أظهر لها اللطف خلال تلك الفترة، لكنه ضربها أيضًا وهددها بالقتل.
وبالفعل تمكنت ناتاشا من الفرار، وانتحر بويكلوبيل فيما بعد..
وقد ذكرت حسابات الأخبار في ذلك الوقت أن ناتاشا «بكت بشدة» بعد وفاته.
اقرأ أيضاً في لحن الحياة:متلازمة غيلان باريه
ماهو تشخيص العلماء لهذه المتلازمة؟؟
يعتقد علماء النفس الذين درسوا المتلازمة أو مايتعارف عل أن الرابطة تنشأ في البداية عندما يهدد الآسر حياة الأسير ويتعمد ذلك..
ثم يختار عدم قتل الأسير…
يتحول ارتياح الأسير عند زوال التهديد بالقتل إلى مشاعر الامتنان تجاه الآسر لمنحه حياته والمحافظة عليها.
في الحقيقة تمثل غريزة البقاء جوهر متلازمة ستوكهولم…
يعيش الضحايا في تبعية قسرية ويفسرون أفعال اللطف النادرة أو الصغيرةفي الظروف الرهيبة على أنها معاملة جيدة.
وغالبًا ما يصبحون متيقظين للغاية لاحتياجات ومطالب آسريهم..
مما يخلق روابط نفسية بين سعادة الخاطفين وسعادتهم الخاصة.
كما أن المتلازمة لا تتميز بعلاقة إيجابية بين الأسير والآسر فحسب، بل تتميز أيضًا بموقف سلبي من جانب الأسير تجاه السلطات التي تهدد العلاقة بين الأسير والآسر.
يكون الموقف السلبي قوياً بشكل خاص عندما لا يكون الرهينة مفيداً للخاطفين إلا كوسيلة ضغط ضد طرف ثالث..
أسباب متلازمة ستوكهولم:
في البداية علينا أن ندرك أن الباحثون لم يتمكنوا من التعرف على أسباب متلازمة ستوكهولم..
(عندما تعشق الضحية جلادها!!) وسبب إصابة البعض بها دون غيرهم..
لكن، يفسر الأخصائيون على أنها آلية وطريقة نفسية للبقاء على قيد الحياة..
وهي ما يجعل تعاملا الضحية مع الآسر أو المعتدي سهلا وغير مثير للقلق والخوف، حتى مع تعرض الضحية للتهديد وسوء المعاملة.
يفسر الأطباء أيضا أن الاحتجاز ليس العامل الوحيد المؤدي إلى الإصابة بها..
لكن، قد تحدث أيضا نتيجة التعرض لـلعنف المنزلي الجسدي أو العاطفي أو الجنسي، والإساءة من قبل الأشخاص الأعلى سلطة..
أو حتى نتيجة الاعتداء على الأطفال..
وغالبا ما تفضي هذه الحالات إلى تبرير سلوك المعتدي وتفهمه خاصة إذا لطفا تجاه الضحية..
والذي يتم تفسيره للأسف على أنه حب وعاطفة.
أعراض متلازمة ستوكهولم:
- مشاعر إيجابية تجاه الخاطفين أو المعتدين.
- التعاطف مع معتقدات آسريهم وسلوكياتهم.
- مشاعر سلبية تجاه الشرطة أو الشخصيات الأخرى في السلطة.
- تتشابه الأعراض الأخرى مع اضطراب الكرب ما بعد الصدمة (PTSD)..
تشملأعراض اضطراب الكرب مايلي:
- لمحات من الماضي.
- الشعور بعدم الثقة أو الغضب أو التوتر أو القلق.
- صعوبة الاسترخاء أو الاستمتاع بالأشياء التي اعتيد الاستمتاع بها سابقًا.
- صعوبة في التركيز.
المضاعفات:
من المعروف أن متلازمة ستوكهولم لم يتم إدراجها ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)..
إلا أن العديد من المصابين بها قد يواجهون أعراضاً تؤثر في صحتهم النفسية..
مثل الشعور بالذنب والإحراج من أحاسيسهم تجاه المعتدي، والكوابيس والأرق.
يمكن أن تتسبب هذه الإعراض في جعل الشخص عرضة للإصابة باضطرابات نفسية أهمها اضطراب ما بعد الصدمة، التوتر والاكتئاب واليأس والعزلة والانسحاب الاجتماعي.
متى تزور الطبيب؟
يمكن أن تحفز التهديدات النفسية والجسدية الإصابة بمتلازمة ستوكهولهم..
لذلك، إذا شعرت أنك مصاب بها وتعاني من الأعراض المصاحبة التي تحدثنا عنها والتي تتميز بتقبل وتبرير أفعال المتعدي..
فينصح باستشارة أخصائي نفسي لتلقي العلاج المناسب وتفادي الإصابة بالمضاعفات الصحية للمتلازمة..
ثم تعلم طرق فهم وإدراك العوامل المسببة للإصابة بها.
علاج متلازمة ستوكهولم:
في الحقيقة ليس هناك توصيات علاجية من قبل المراكز والهيئات الطبية الرسمية باعتبارها وكما ذكرنا غير مدرجة ضمن الدليل التشخيصي للاضطرابات العقلية..
ورغم ذلك يعتبر العلاج النفسي الخطوة الأساسية لتشخيص الحالة ووصف علاج متلازمة ستوكهولم، والذي قد يقتضي:
العلاج السلوكي المعرفي:
يساعد العلاج السلوكي المعرفي المريض على فهم التجربة التي مر منها..
وإدراك السلوكيات والأحاسيس التي كان يشعر بها الضحية تجاه المعتدي..
بالإضافة إلى ذلك يساعد فهم هذه الأمور على تعلم استراتيجيات وطرق لتجاوز الأزمة واستعادة الحياة والنشاط اليومي.
العلاج الدوائي:
تساعد الأدوية في علاج الأمراض والاضطرابات المصاحبة للإصابة، كاضطراب المزاج والقلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
قد يساعد العلاج الضحية على فهم تجربتها، وفهم السلوك الوجداني تجاه الخاطفين على أنها مهارة للبقاء على قيد الحياة.
بالإضافة لذلك يمكن لعلماء النفس والمعالجين النفسيين تعليم آليات التأقلم الصحية وأدوات الاستجابة للمساعدة على فهم ما
حدث، ولماذا حدث، وكيف يمكن التقدم بعيدا عن ما حدث.
يمكن أن تساعد إعادة تحديد المشاعر الإيجابية على فهم أن ما حدث لم يكن خطأ الضحية.
وفي نفس السياق علينا أن لا نقلق..
فمعظم الأشخاص الذين يتعرضون للإيذاء أو الصدمات أو المواقف الأسيرة لايصابون بمتلازمة ستوكهولم.
كيف تساعد الأشخاص المصابين بمتلازمة ستوكهولم؟
حتى نتمكن من المساعدة علينا أولاً أن نتعرف على أعراضها وأسبابها لفهمها قبل التفكير في مساعدة المصاب بها..
ولا بد من الانتباه إلى الأمور التالية قبل محاولة المساعدة:
- عدم تشويه صورة أو سمعة الجاني أو المعتدي لكسب ثقة المصاب بالمتلازمة.
- توجيه الأسئلة للمصاب بالمتلازمة لفهم رؤيته لما يمر به، وما يشعر به ويفكر فيه.
- الاستماع من دون توجيه الأحكام والتأمل في ما تقوله الضحية من دون توجيه اللوم أو الاتهام.
[…] متلازمة ستوكهولم… […]
[…] متلازمة ستوكهولم… […]