لقد سعى الإسلام بشكل حثيث من خلال التشريعات إلى تهذيب النفس البشرية وتخليصها من نوازع الشر والباطل وجعله سليمة ومعافاة وقادرة على المشاركة الفعلة في بناء المجتمع وبذلك يكون المسلم مواطناً صالحاً وبهذا تعد الصحة النفسية من اسمى مقاصد الإسلام اذا كيف يمكننا تحقيق الصحة النفسية والتخلص من جميع الضغوط الحياتية من منضور الإسلام

1-الايمان:يبعث الإيمان في قلب المسلم الراحة والطمأنينة فبه يقتنع قناعة تامة ان المدبر والمسير هو الله وحده وهو الرزاق فما على المسلم إلا ان يوجه اهتمامه وتركيزه على ما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع العميم بعيداً عن فلسفة التشاؤم والشك، فكل ما كان وما يكون مقدر من الواحد الفرد الصمد وان الإيمان بالله وعبادته أصل الطمأنينة التي هي نور غيبي يُقذف في القلب محققاً الشعور بالتوازن، والإيمان في عمقه شعور بمعية الله، لذلك كان أكثر الأسباب تحقيقاً للصحة النفسية التي تقوم على الطمأنينة.

2-الصلاة: الصلاة هي عماد الدين واساسه والقواعد التي ترتكز عليه كافة العبادات وبالصلاة يربط العبد بينه وبين ربه ويرتاح من جميع هموم ومتاعب الحياة ونذكر هنا حديث الرسول مُحمد عليه الصلاة والسلام (أرحنا بها يا بلال) وفي الصلاة ترسيخ لحاجة الإنسان إلى مدد من السماء يعينه على غربته الحياتية ويقويه على مواجهة أمواج الحياة العاتية، إنها ارتقاء إلى مدارج السمو، فيها يحس الإنسان بإنسانيته، كما يحس بقدره وقيمته وبأنه غير مستطيع أن يعيش دون فيض رباني، ونور إلهيّ، ومدد سماوي يبعث في نفسه الراحة..

وفي الصلاة مفارقتان غريبتان تجتمعان فيها وحدها: يتخلص المسلم من الطاقة السلبية، ويعبّئ طاقة إيجابية تقويه، وكل ذلك في السجود والتلاوة والدعاء والركوع، وكلما انحنى المسلم عابداً سما في مدارج الرفعة وارتقى.

3-الصيام: الصوم هي احد ارقى العبادات به يتحقق الصفاء وما يتبعه من تخلص الجسم مما هو مضر، والصوم أكثر العبادات تحقيقاً للراحة النفسية وتكريساً لخلق الصبر والقناعة والإحساس بالآخرين لمن صام تعبداً لا عادة. إنه عيادة مجانية ورياضة نفسية، وقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام : «صوموا تصحوا»، وقال: «الصوم جنة» على الإطلاق، فلم يحدد الوقاية أو الحماية جاعلاً إياها محتملة لكل ما من شأنه أن يؤذي الجسم والنفس.

4-الذكر: ذكر الله هي عادة يومية يمارسها المسلم تعطيه طاقة إيجابية وتبعث في النفس الراحة والاطمئنان لقوله تعالى {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ وترك الذكر فإن للعبد معيشة كلها تعب وشقاء لقوله تعالى {ومن أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} ان ذكر الله استشعار لمعية الخالق الدائمة، وطلب المدد منه في كل لحظة، فيه يدوم الاتصال الذي لا ينقطع بمجرد الانتهاء من الصلاة والقرآن الكريم بلسم شافٍ للنفوس والقلوب المرهقة من تعب الحياة، وهو بعد ذلك دواء إلهي، في قراءته يكلمك الله فيكون ذلك مدخلاً لطمأنينة قلبية تصير معها النفس جنة يانعة، والغفلة عنه تجعل النفس صحراء قاحلة يباباً

5-الصدقة:فهي تحمل معاني الحب والإخاء وتقوي الروابط الاجتماعية وتطفئ غضب الرب وهي تغرس في القلب العطف والرحمة كما انها تحارب صفة البخل الذي هو من الخصال القبيحة عند المرء والصدقة تعالج بشكل قطعي صفة الأنانية وتخلص الإنسان من الامراض القلبية وتنقي القلب لقوله تعالى{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} وفي الحرص على الصدقة يقين بأن المال مال الله أودعه عندك، فلا بد من إعطاء الفقير منه. وتشيع في بعض بلدان المسلمين عبارة «اعطني حق الله»، وهي عبارة عميقة لمن تدبر.

6-التقوى:اعلم ان التقوى حائط منيع يقي المؤمن من الوقوع في كل ما يبعده عن الصراط المستقيم. إنها وقاية ومناعة قلبية ضد ما هو محرم، وهي المخرج من كل مصيبة وضيق وتعب يلم بالمسلم، وجالبة كذلك للرزق: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا 2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} أي يرزقه صحة وعافية وطمأنينة، ولاحظ كيف أطلق المخرج والرزق، فلم يقيد أو يحدد.

لقد سعى الإسلام بهذه العبادات إلى خلق نفس مطمئنة راضية في هذه الحياة بما فيها من تقلبات والآم وجعلها تواجه الحياة بكل قوة ومناعة وتفاؤل وتقاوم كل امواج الشر بقوة الإيمان بالله الذي لا تزحزحه الجبال وبهذا يكون المسلم نافعاً لمجتمعه ومحيطه بنفس مطمئنة خالية من الهموم لكي يؤدي رسالة الحياة بكل حب واخلص. 

      (دمتم برعاية الله) 

محمد ابو خاطر
محمد ابو خاطر
المقالات: 50

2 تعليقات

تغمرنا السعادة برؤية تعليقاتكم .... اترك رد