هل سمعتم بشاعر الخمرة من يكون أنه الشاعر أبو نواس وهو الحسن بن هانئ الحكمي – وزيد عليه ” الدمشقي ” في بعض المراجع . ويكنى بأبي علي وأبي نؤاس والنؤاسي ، ولد في الأهواز ، إحدى قرى خوزستان في فارس نحو سنة 141 هـ . وفي بعض المراجع سنة 145 هـ.
ولقد اختلف في نسبه ، فقيل أن أباه هانئ عربي من دمشق من جند مروان ، آخر خلفاء بني أمية ، وقيل إنه من أصل فارسي ؛ أما أمه جُلبان فكانت جارية فارسية تغزل الصوف وتنسجه ، وعلى ما يظهر ، كان أبواه مغموري الأصل ، لا يملكان من المال ما يجعلهما في الايسر.
ويُعتقد أن لقبه ” أبو نواس ” جاء لأن الأمير خلف الأحمر ، أحد عمال اليمن استدعاه يوما ، وكان يوده أكثر من غيره من الشعراء ، فسماه أبا نواس ، واشتهر بهذه الكنية .
لشاعر ابو نواس طفولة معذبة وقياسية مرت على حياته حيث لم يبلغ السادسة من عمره حين توفي ابوه ونقلته امه الى البصرة ووضعته في الكتاب فحفظ القرآن الكريم وبعض الشعر وعمل كأجير في السوق عند عطار حيث كان يبري عيدان الطيب
دعونا نعرف ماعلاقة أبو نواس مع الخمر:
إلى جانب أن البصرة كانت منارة ومركز علم في ذلك الزمن ، إلا أنها كانت لا تخلو من مجتمعات اللهو والمجون ، وكان أبو نواس من طبيعة مزاجه ميالا إليها ، ومما زاده إقبالا على هذه الدور ، تعرفه على الشاعر الخليع والبة بن الحباب ، فحثه على أن يصطحبه معه إلى الكوفة ، ولم يتردد الغلام ، فمضى معه
وقيل أن سيرة أمه وانحرافها كانت تؤذيه ، فرحل بعيدا ، ولم يجد شيئا ينسيه همومه سوى معاقرة الخمر ، فسقط في جب الخلاعة والمجون ، وعرف أبو نواس بشاعر المجون والخمر آنذاك ، واستحق أن يكون زعيم شعراء الخمرة وأميرهم الذي سبق المتقدمين والمتأخرين ، وتلك كانت العوامل الأولى التي أثرت في شخصية الشاعر.
وهكذا نشأ ابو نواس مترددا ما بين حلقات العلم ودور المجون ؛ وقد أبى إلا أن يقوم لسانه على لغة عربية خالصة المعنى تتعلق بكل ما هو أصيل ، فأقام في البادية سنة ليأخذ اللغة عن أهلها . وكان قد ناهز إذ ذاك الثلاثين ، وبلغ ملء الثقة من نفسه ومن أدبه ، فطمحت أنظاره إلى بغداد ، حيث المال والجمال .
وكانت معاقر الخمر من الامور الهامة في حياة ابي نواس وكانت في عصره تنتشر الحانات ويقوم على هذه الحانات رجال ونساء من اليهود او النصارى وكان ابو نواس من اكثر المترددين على هذه الحانات ودور اللهو والمجون فيندفع إلى التغني بالخمر ووصف السكر ، بالإضافة إلى ذلك كان يجهر مع غيره من شعراء المجون بحب الفتية الغلمان والتغزل بهم غزلا مكشوفا.
وأخيراً وفاة ابو نواس: عاش ابو نواس في الأماكن المختلفة التي وجد فيها ولا سيما بغداد ، عيشة لهو ومجون ؛ وما زالت حياته على ذلك الحال حتى انحطت قواه وانحل جسمه .
وعندما قتل الأمين سنة 198 هـ طغى القنوط على نفس الشاعر ، وكان قد بلغ منه الانحطاط مبلغا ، فراودته أطياف الموت ، وفطن إلى حياته التي بددها هدرا في السوء ، فتاب إلى ربه ، وجنح إلى الزهد – بحسب ما تشير إليه العديد من المراجع – ، حتى توفي في بغداد سنة 199 هـ وما له من العمر غير 54 سنة.
اقرأ أيضاً:
قصيدة تنبهوا و استفيقوا أيها العرب – إبراهيم اليازجي
قصيدة أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل – أبو الطيب المتنبي
جاء في ” تاريخ بغداد ” : ولما مرض أبو نواس مرضه الذي مات منه ، دخل عليه محمد بن إبراهيم الكاتب يعوده ، ومعه صالح بن علي الهاشمي ، فقال له صالح بن علي : يا أبا نواس : تب إلى الله ، فإنك في أول يوم من أيام الآخرة.
وقال ابي نواس :أسندوني ، فأسندوه . فقال : إياي تخوِّف بالله ؟ وقد حدثني حماد بن سلمة ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ” ( سنن ابن ماجة )
و قالوا فيما يُروى ، أن بعض إخوانه رأوه بعد موته بأيام في المنام ، فقال له : ماذا فعل الله بك ؟ قال له : غفر لي بأبيات قلتها ، وهي الآن تحت وسادتي . فنظروا ، فإذا برقعة تحت وسادته في بيته مكتوب فيها :
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً * فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلاَّ مُحْسِنٌ * فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرمُ
أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرت تَضَرُّعا * فَإِذَا رَدَدتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ
مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلاّالرَّجَا * وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ
(دمتم برعاية الله)
[…] الشاعر أبو نواس […]