مئات المختبرات والمعاهد العلمية للأبحاث الطبية ما زالت وعلى مدى سنين طويلة تبحث عن عقاقير دوائية وأساليب علاجية لمرض السرطان، إلا أن أرصدتها منها لعلاج المرض ما زالت محدودة.
وتعتبر الطرق الكيميائية والإشعاعية من الطرق الأكثر انتشاراً، والتي تعطي نتائج إيجابية في بعض الحالات، إلا أن تأثيرها في أغلب الأحيان على الخلايا الطبيعية لجسم الإنسان ضار وسام. لذلك يرى كثير من العلماء مستقبل علاج الأورام السرطانية في العقاقير التي تحوي مواد فعالة ذات المنشأ الطبيعي، ويأتي في مقدمة هذه المواد الطبيعية الكركم.
ويعد الكركم من المكونات الرئيسية في الوجبات الغذائية الهندية، ولكن الغربيين الذين يجهلون فوائد الكركم أو حتى التوابل الأخرى بدأوا حديثاً في استخدام الكركم الذي ينتمي لفصيلة الزنجبيل، فقد أثار الكركم دهشتهم لكثرة ما يحتويه من الكنوز والفوائد التي كشفت عنها مختبرات الأبحاث العالمية.
ولأن الهند من أكثر الدول المستهلكة للكركم، فقد اكتشف معهد أبحاث السرطان القومي الهندي أن نسبة الإصابات بأمراض سرطان البروستاتا والأمراض الباطنية وسرطان الرئة بين الهنود هي الأقل بين السكان في العالم.
المحتويات الكيميائية للكركم والمواد الفعالة:
يعرف الكركم بالجذمور الأصفر المائل إلى اللون البرتقالي، أو النبات الملكي.
يحتوي الكركم على زيوت طيارة بنسبة تتراوح ما بين 4.2- 14% ويتكون هذا الزيت من حوالي50 مركباً ولكن أهم هذه المركبات مجموعة تعرف باسم كيتونات سيسكوتربينية SesquiterPenelacton وهي تشكل 60% وتعرف هذه المجموعة باسم تورميرونز (Turmerones).
كما يحتوي الكركم على خليط من الراتنج والزيت الطيار يعرف باسم OLEO-RESIN وكذلك يحتوي على زيت ثابت ومواد مرة وبروتين وسليليوز ونبتوزان ونشا ومعادن.
أيضا يحتوي الكركم على مجموعة أخرى هامة جداً تعرف باسم كوركومينو يدز. (Curcuminoides) ومن أهم مركبات هذه المجموعة مركب الكركومين المشهور (Curcmin) والذي فصل بشكل تجاري ويباع حالياً كمركب نقي وهو المسئول تقريباً عن التأثيرات الدوائية للكركم. وكذلك هو الذي يعطي الصبغة الصفراء التي يتميز بها الكركم.
وللكركومين فعالية كبيرة في منع حدوث الورم السرطاني وكذلك القابلية على القضاء على الورم السرطاني.
ولعل ما يشجع في استخدام الكركومين كعلاج جديد للسرطان، بالإضافة إلى كونه يوقف نمو الخلايا السرطانية عند كافة مراحل نموها، هو انخفاض درجة سمية وتأثيراته الجانبية الى الصفر. أضف إلى ذلك سهولة زراعة نبتته وسهولة استخلاص المادة الفعالة منها ورخص ثمنها.
الكركم… تلك المادّة الصفراء التي تكاد لا تخلو منها موائدنا، هل حقّا له علاقة بعلاج مرض السرطان ذلك المرض العضال الذي عجز الأطبّاء عن توفير علاج ناجع ودائم له؟
الكركم في الدراسات العلمية الحديثة:
1- قام باحثون في مركز كورك لأبحاث السرطان في ايرلندا بمعالجة خلايا سرطان المريء بالكركومين (أحد مركبات الكركم) واكتشفوا أنها بدأت في قتل خلايا السرطان خلال 24 ساعة، كما أنها بدأت أيضا في هضم نفسها.
2-كشفت دراسة طبية أجراها باحثون أمريكيون من مركز “أندرسون” للسرطان بجامعة “تكساس ام دى” في هيوستن أن الكركم قد يساعد في محاربة سرطان الجلد، فقد وجدوا أن الكركم يؤثر على خلايا الأورام السوداء وهو أحد أنواع سرطان الجلد.
وأوضحت اختبارات معملية أن الكركم يجعل خلايا الأورام السوداء أكثر قابلية لتدمير نفسها فى عملية تعرف باسم زوال الخلية، كما اكتشف نفس الفريق أن الكركم ساعد على وقف انتشار سرطان الثدي إلى رئتي الفئران.
أشار فريق البحث إلى أن الكركم قضى على بروتينين تستخدمهما خلايا السرطان في الاحتفاظ بنفسها حية إلى الأبد، وأنه اثبت فعاليته في إخماد حيوية الخلايا السرطانية وحث خلايا الأورام السوداء على القضاء على نفسها.
3-كشفت دراسة ألمانية حديثة فائدة كبيرة للكركم، وهو فعاليته في إعاقة تشكل الأورام الخبيثة قبل ظهورها، وفي إعاقة نموها بعد ظهورها وبخاصة أورام الرئة، وقد ركزت الدراسة على مادة الكركومين المسئولة عن إعطاء اللون الأصفر المميز للكركم.
4- أبرزت دراسة أجراها باحثون من ولاية ميسوري الأمريكية دور توابل الكركم في التقليل من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي عند النساء بعد سن اليأس، واللواتي خضعن للعلاج الهرموني البديل الذي يتضمن هرمون البروجستيرون، حيث يشير الباحثون إلى أن دراسات سابقة أظهرت أن هرمون البروجستيرون يسرع من نمو بعض الأورام، من خلال زيادة إنتاج جزيء يدعى VEGF، حيث يساعد الأخير على توريد الدم إلى تلك الأورام.
وتشير نتائج الدراسة التي نشرت في دورية “سن اليأس” إلى أن تناول الكركم قد يساعد على وقاية هؤلاء النسوة من الإصابة بأورام الثدي التي يتسارع نموها بوجود هرمون البروجستيرون، حيث توصل الباحثون إلى أن توابل الكركم تؤثر في هذا النوع من الأورام، من خلال تأخير أول ظهور لها وتخفيض معدلات حدوثها، كما وتقلل من إمكانية تعددها.
كما أظهرت الدراسة التي أجريت على نماذج حيوانية أن توابل الكركم أسهمت في تثبيط إفراز جزيء VEGF من خلايا سرطان الثدي.
5-توصلت دراسة علمية بإشراف علماء من جامعة داكوتا الأميركية إلى أن الكركومين يعزز أثر العلاجات المستخدمة لمحاربة سرطان المبيض، إذ يعمل على خفض مقاومة خلايا الورم للعلاجين الكيميائي والإشعاعي.
وبحسب نتائج الدراسة فإن تعرض خلايا سرطان المبيض لمركب الكركومين قبل تعريضها للعلاج الكيميائي والإشعاعي أسهم في زيادة حساسيتها تجاه تلك العلاجات، الأمر الذي ساعد على تقليل الجرعات المقررة منهما لتثبيط نمو خلايا السرطان.
وتهدف الدراسة التي نشرتها مؤخراً دورية “بحوث المبيض” إلى اختبار تأثير مستحضر الكركومين على خلايا سرطان المبيض المقاومة للعلاج، إذ أن التوافر الحيوي للكركومين منخفض بسبب عدم قدرة الجسم على امتصاصه بشكل جيد.
6-أكدت الدراسات المعملية قدرة الكركومين على قتل مستنبتات خلايا اللوكيميا (سرطان الدم)، كما يحد من تطور سرطان الفم واللسان الناجم عن عوامل كيميائية بنسبة تصل 90%، كما يساعد مركب الكركومين على الشفاء من السرطان من خلال جهاز المناعة، حيث يحفز إنتاج بعض أنواع الخلايا التي تستنفد لدى مرضى اللوكيميا والورم النخاعي وسرطان المبيض، كما يؤثر على السرطان الناجم عن التدخين، حيث يؤثر على امتصاص أكسيد النيتريك الذي يفرز في الرئة عند تعرضها لدخان السجائر، فيحول دون حدوث التفاعلات التي تصاحب مرض السرطان، كما يوقف التفاعلات الخلوية في الرئة والفم التي تعمل على تنشيط العوامل المسببة للسرطان في دخان السجائر.
كما يفيد الكركومين في علاج سرطان المستقيم والقولون والوقاية منهما، بنفس آلية عقاقير السترويد، من خلال تثبيط الجينات اللازمة لمرض السرطان في الجسم.
7- وجد مجموعة من الباحثين في جامعة أوكسفورد أن الكركومين يمكن أن يحمي مرضى السرطان المعالجين بالإشعاع الذري من التأثيرات الجانبية التي يسببها الإشعاع كالحروق الجلدية وتلف الأنسجة السليمة الغير مسرطنة، وكذلك التهابات الأغشية المخاطية واحتمالية تلف النخاع الشوكي وإصابة الدماغ، مما قد ينشأ عنه مخاطر أخرى كالشلل وفقدان الذاكرة. وحيث أن أكثر من خمسين بالمائة من مرضي السرطان يعالجون بالطب الذري فان استخدام الكركومين يمكن أن يوفر الكثير من الحماية لهؤلاء من التأثيرات الجانبية السلبية للإشعاع.
8- وأوضح فريق بحث من جامعة Ludwig-Maximilians-Universitat في مدينة ميونيخ في ألمانيا أنّ المواد الفعالة في الكركم تساعد في الحد من نمو الأورام الخبيثة في سرطانات البروستاتا والثدي والرئتين، وهي من السرطانات ذات الصلة بالالتهابات؛ حيث إنّ مادة الكركم تؤدي إلى التقليل من فعالية المواد الحاثّة على الانقسام الخلوي للخلايا السرطانية. كما أنّ الكمية الآمنة من الكركم يومياً تساوي ثمانية جرامات (حوالي ملعقة أكل مليئة).
ملحوظة: نبهت الدراسة أيضاً أنّ الكركم يجب ألا يتم تناوله كبديل للعلاج الطبي بعد اكتشاف الورم الخبيث إنما يستخدم كمعزز للعلاج، وهو فعّال كأداة وقاية أوليّة قبل حدوث المرض خاصة لمن لديهم تاريخ أسري في الإصابة بأورام البروستاتا أو الثدي أو الرئتين.
و على الرغم من فعالية الكركم إلا أنه من المعروف أنّ ما يمتصه الجسم من الكركم أي ما يصل إلى الدم بعد تناوله القليل فقط وذلك لأنّ خاصيتي الذوبان والتوافر البيولوجي ضعيفتان في الكركم، وهناك محاولات عدّة لتحسين نسب امتصاص الكركم ومنها تناول الكركم بعد تسخينه.
آليات الكركم في علاج السرطان:
كشفت العديد من الدراسات والأبحاث التي أجريت علي الكركم لبيان علاقته بتثبيط مرض السرطان والوقاية منه، عن بعض الآليّات التي يعمل الكركم من خلالها على محاربة مرض السرطان ما يلي:
1- تثبيط تحوّر ونمو الخلايا السرطانية حتى بعد بدء تكوّنها.
2- تحوير بعض الجينات، وبخاصةً الجينات التي تؤدي إلى تكوّن الخلايا السرطانيّة.
3-تثبيط عمل بعض الإنزيمات في الجسم مثل (COX-2، TNF) اللذين يسببان الالتهابات، والتي تساعد بدورها على نمو الخلايا السرطانيّة وتطورها.
4- مساعدة خلايا الرئتين “المصابة بالسرطان” على قتل نفسها، وبالتالي قتل الخلايا السرطانية.