شهدت تركيا مؤخرًا احتفالات الذكرى المئوية لمعركة جاليبولي، إحدى المعارك سيئة السمعة التي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى.
شاركت القوات العثمانية في تلك المعركة تحت قيادة القوات الألمانية آنذاك لصد هجوم قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا.
خلَّفت معركة جاليبولي، التي امتدت لتسعة أشهر؛ نصف مليون من القتلى والجرحى من كلا الجانبين لتنتهي بانسحاب الحلفاء في نهاية الأمر.
تُدعى معركة جاليبولي بيوم أنزاك الذي شهد نزول فيالق الجيش الأسترالي والنيوزيلندي في الخامس والعشرين من أبريل 1915. غير أن بذور المذبحة البشرية التي شهدتها الشواطئ وميادين القتال قبل خمسة أسابيع كانت قد وُضعت عندما أرسلت القوات البحرية الملكية البريطانية التي لا تُقهر سفنها الحربية لدك الحصون العثمانية التي كانت تتولى حراسة مضيق الدردنيل الإستراتيجي.
ما لم يكن في الحسبان هو الألغام التي تم وضعها تحت الماء، وتسببت في إغراق ثلاث سفن في غضون ساعات قليلة.
النيوزيلندي جوزيف جازبيرتش كان من بين الناجين من معركة جاليبولي. بعد عقود من الزمن، أخبر جازبيرتش الإذاعي النيوزليندي لولاي سويندل بأنه كان قد أصيب في الموجة الأولى من الرجال الذين عبروا باتجاه العدو.
مستلقيًا وسط الزهور، كانت لديه رؤية مثالية للمذبحة التي وقعت آنذاك.
يقول جازبيرتش: «كان الأمر مميتًا حقًا. من لم يمت في المعركة مات منتحرًا. استغرق الأمر شهورًا من الجحيم لكلا الجانبين».
من جانبه عزا هالوك أورال، أحد الأكاديميين الأتراك، ارتفاع معدل الوفيات التي خلفتها المعركة، رغم توافر الإسعافات الطبية، إلى ندرة المياه والتضاريس الوعرة.
وأضاف أورال قائلًا: «أمضى الجانبان ثمانية أشهر ونصفًا في الجحيم. حتى أن الرسائل المكتوبة المرسلة من الجنود البريطانيين والأستراليين لمنازلهم تحدثت عن الصعوبات التي واجهوها حتى في الحصول على الغذاء، فضلًا عن المياه التي لم تكن نظيفة».
كانت الخطة التي دافع عنها في بريطانيا اللورد الأول وينستون تشرشل تعتمد على صرف ألمانيا عن الجبهة الغربية عبر فتح جبهة ثانية في جاليبولي، وبالتالي إجبار برلين على دفع قواتها نحو جاليبولي لدعم حلفائها العثمانيين.
بدلا من ذلك، فإن المكاسب الأولية لقوات أنزاك علقت في مأزق غارق بالدماء، وبدأت المقابر تنبت على الشواطئ والحقول في جاليبولي.
لا يدرك العديد من الزوار أن القوات العثمانية عانت أكثر من غيرها من الخسائر في صفوفها، وذلك حسبما يقول أحد المرشدين الأتراك ويدعى «كينان سيليك»، وهو بمثابة دليل لكبار الشخصيات والمؤرخين الذين يتوجهون لزيارة جاليبولي.
ربما يرى قدامى المحاربين بأنه ما من فائز في جاليبولي، فقط الناجون. غير أن ثمة عواقب وتداعيات عالمية لمعركة جاليبولي.
لم تعد هيمنة إنجلترا على الساحة العالمية كما كانت في السابق. ورأى الأتراك بطلًا جديدًا، وهو ضابط شاب اسمه مصطفى كمال، والذي عرف فيما بعد باسم أتاتورك، والذي أسس فيما بعد دولة علمانية قومية بأغلبية مسلمة.
بعد قرن من الزمان، هاهي الأراضي العثمانية السابقة تغرق في العنف في سوريا والعراق، وباتت القوى العظمى تتساءل عما يخبئه المستقبل.
فريد باشا دامات، أحد رؤساء الوزراء للإمبراطورية العثمانية كان قد حذر القادة الأوروبيين في باريس في عام 1920، كما يقول سيليك، من أنهم يقومون بتقسيم الإمبراطورية إلى غنائم حرب.
وقال: «لنبقِ على الإمبراطورية العثمانية كمظلة في الشرق الأوسط، وإلا فإنه وفي خلال مائة عام لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط».
خمسة وتسعون عامًا فقط مضت على تحذيرات الوزير العثماني، ولا يزال التنبؤ قويًا.