قصة الطفولة المأساوية للتوأم الخماسي ديون

في 28 من مايو عام 1934 شهدت قرية صغيرة تدعى (كوربيل) الواقعة في شمال (أونتاريو) في كندا معجزة قد فاقت جميع الاحتمالات، حيث تم تسجيل ولادة توأم خماسي متطابق، وهي أول حالة مسجلة في التاريخ، خاصةً أنهم جميعاً بقوا على قيد الحياة.

وُلدت البنات الخمسة وهن: (أنيت) و(إميلي) و(إيفون) و(سيسيل) و(ماري)، قبل شهرين من موعد ولادتهن، وقد تراوحت أوزانهن بين 5.8 و6.5 كيلوغراما، ولكن بمساعدة القابلات تمكنت الطبيبة (ألان دافو) من إخراجهن من رحم أمهن (إليز ديون)، وقد سببت هذه الحادثة ضجة إعلامية كبيرة في كندا وانتشرت إلى الإعلام الدولي، خاصةً أن احتمال ولادة توأم خماسي متطابق هو 1 من بين كل مليار، وذلك بحسب ما نشرته صحيفة (نيويورك تايمز).

وفقاً لـ(كارلو تاريني)، وهو المتحدث الرسمي باسم الشقيقتين الباقيتين على قيد الحياة (أنيت) و(سيسيل)، فإن الفتيات قد تم لفهن ببطانيات ووضعهن بالقرب من فرن مفتوح في منزلهن الريفي الصغير بغرض تدفئتهن، كما اعتبر الكثيرون أن ولادتهن أمر يصعب تصديقه خاصةً في ظل ظروف الكساد الاقتصادي الذي تخضع له البلاد، وقد أعربت مديرة مركز دراسات حالات التوائم في جامعة (كاليفورنيا) الحكومية (فوليرتون) عن دهشتها بقولها: ”لقد ولدن تحت أكثر الظروف سوءاً، لذا فإن بقاءهن جميعاً على قيد الحياة أمر لا يصدق“.

المعجزة الطبية:

بعد مرور وقت قصير من ولادتهن؛ قام والدهن بالتواصل مع الصحيفة المحلية لنشر الخبر، وسرعان ما انتشر هذا الخبر حيث توافد الصحفيون والمصورون إلى منزل عائلة (ديون) لتوثيق هذه الواقعة الغريبة، كما تصدر خبر صراع الأخوات للنجاة والبقاء على قيد الحياة عناوين الصفحات الأولى للصحف في جميع أنحاء العالم، ونتيجة لهذه الضجة الإعلامية الكبيرة أرسل الصليب الأحمر الكندي مجموعة من الممرضات إلى منزل عائلة (ديون) لكي يتلقين العناية الصحية اللازمة، وسرعان ما أصبحن من أشهر أطفال العالم.

في المعرض:

لم تقتصر شهرة التوأم على تصدر عناوين الصحف والأخبار الدولية والمحلية، بل بدأن يظهرن في المعارض، حيث عرض معرض (شيكاغو) العالمي على والدهن (أوليفا ديون) مبلغاً مالياً كبيراً بالإضافة لتقديمهم الرعاية الطبية خلال المعرض، وذلك مقابل موافقته على حضور المعرض هو وأطفاله المعجزة، وبعد التفكير الكثير واستشارة كاهن الأبرشية المحلية وافق (ديون) على هذا العرض –كان كاهن الأبرشية سيحصل على ثمن المال–، وسرعان ما انتشر هذا الخبر بين الشعب الكندي الذي عبر عن استيائه من هذا القرار، يقول (تاريني): ”استاء الشعب الكندي من قرار الوالد وتعالت الأصوات التي تقول ’هذا ليس صحيحاً، إنهم يأخذون أطفالنا المعجزة إلى الولايات المتحدة‘“، وعندما علم الأب بهذه الاحتجاجات قام بإعادة الشيك قائلاً أن أطفاله لن يظهروا بهذا المعرض.

ولكن الأوان كان قد فات، حيث قامت الحكومة الكندية في (أونتاريو) بانتزاع الأطفال من والديهم ومررت قانون ”الوصاية على توأم (ديون) الخماسي“ بحجة حمايتهن وتحويلهن إلى إحدى الحاضنات، ثم قامت بتحويل المنطقة التي احتضنتهن إلى معرض كبير أطلقت عليه اسم (كوينتلاند)، أي ”أرض التوائم الخمسة“، وصارت منطقة لجذب السياح.

لمدة 9 سنوات؛ قامت الحكومة الكندية بعرض الأطفال على السياح عدة مرات خلال اليوم، حيث تم وضعهن داخل غرفة زجاجية بحيث يمكن للسياح مشاهدة الأطفال وهم يلعبون كنوع من الترفيه! خلال هذه الفترة كان هنالك تواصل قليل بين الأطفال وأهلهم.

بحسب (هيذر مكولي)، رئيسة مجلس إدارة المنظمة غير الربحية في كندا Multiple Births Canada: ”لقد ولدن في عالم أشبه بحديقة للحيوان… لقد تم بيعهن بالتأكيد، أعتقد أن الحكومة والطبيب قد باعوا صورهن“.

حصد معرض (كوينتلاند) أرباحاً تقدر بنحو 500 مليون دولار بالرغم من أن دخولها كان مجانياً، وقد كانت حكومة (أونتاريو) تجني الأرباح باستغلال التوائم عبر القيام بحملات إعلانية وبيع الهدايا التذكارية التي تحمل صورهن، وللأسف لم تقم الحكومة بتخصيص أي مبلغ لمستقبل هؤلاء الفتيات، حيث تم صرف هذه الأموال على أمور أخرى كرواتب الممرضات ولرجال الشرطة وغيرها من وسائل الترفيه لجذب الملايين من السياح.

كما أصبحت صور الأطفال الخمسة من أكثر الصور انتشاراً، حيث تم نشرها في مجلات عالمية كـ(التايم) و(لايف) بالإضافة لاستخدامهن للترويج للعديد من منتجات الشركات الكبرى، كمعجون أسنان (كولجيت)، وأدوية السعال، إلى جانب وضع صورهن على البطاقات البريدية، كما قد تم إنتاج 4 أفلام عنهن في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي

اعتقد الكثير من الناس أنهن من أكثر الأطفال حظاً، ولكنهن على عكس هذا عانين من طفولة قاسية ومأساوية، ولم يستطعن عيش حياتهن كأي طفل آخر، حيث خضعن للعديد من التجارب العلمية، وأضاف (تاريني): ”كان يُنظر إليهن وكأنهن ملكات وأميرات، ولكن الحقيقة هي أنهن كن مثل ساندريلا“.

ماذا حصل بعد مغادرتهن لـ(كوينتلاند)؟

عندما بلغن من العمر 9 سنوات، تمكن والداهن من استعادة الوصاية عليهن، مما جعلهن يختفين عن الأضواء العامة، ولكن الفتيات ادعين أنهن قد تعرضن أيضاً لسوء المعاملة والاضطهاد في منزل والديهن، حيث كافحن لبناء علاقة صحية مع إخوتهن الآخرين، وقد وصفن وضع المنزل في يومياتهن بقولهن: ”هذا المنزل هو المنزل الأسوأ الذي عرفناه على الإطلاق“، حيث تمت معاملتهن كخادمات في منزلهن.

بحسب (تاريني)، فإنه عندما بلغن سن 18 سنة، كانت الأخوات بالكاد يعرفن قيمة المال، وذلك نتيجةً لعدم تلقيهن التعليم المناسب، ووفقاً لصحيفة (نيويورك تايمز)، توفيت (إميلي) في سن الـ20 بعد أن اختنقت أثناء تعرضها لنوبة صرع.

في أواخر التسعينات، وبعد غياب الفتيات لمدة طويلة عن الوسط الإعلامي، عدن للظهور مرة أخرى وذلك عندما التمسن لدى الحكومة الكندية فتح تحقيق فيما يخص تبديد أموالهن، وكانت النتيجة أنهن قد كسبن القضية وحصلن على تسوية قدرها 4 ملايين دولار، وفي عام 2017 قامت صحيفة (نيويورك تايمز) بإجراء مقابلة مع الشقيقتين المتبقيتين (أنيت) و(سيسيل)، وذلك لسعيهما في الحفاظ على منزل العائلة الذي قد ولدن فيه، لاقت الفتاتان دعماً كبيراً من السكان المحليين، وخاصةً كبار السن منهم، إلى أن تمكنَّ من الفوز والاحتفاظ بالمنزل الذي قد تم تحويله لمتحف في صيف عام 2018.

تغمرنا السعادة برؤية تعليقاتكم .... اترك رد