متلازمة أطفال القمر

هل خطر لك يوماً ما أن تحمد الله على نعمة تعرضك للشمس؟؟

هل تعلم أن هناك أطفال يمثل لهم نور الشمس رعباً حقيقياً، فلا يُغادرون سجنهم الاضطراري الدامس إلا بعد الغروب.

ذلك أن جلودهم رفضت مصافحة الشمس فاختارتهم ضحايا تقترن حياتهم بمدى هروبهم منها؛ كلما تفادوها ازداد رصيدهم من دقائق الحياة. إنهم “أطفال القمر” الذين يصارعهم النهار ويهادنهم الليل، ويعيشون بيننا من دون أن نراهم، ويرحلون في صمت من دون أن نعرف عنهم.. إلا أقل القليل.

متلازمة أطفال القمر:

يُعدُّ مصطلح “أطفال القمر” تعبيراً جميلاً ومُلطّفاً لمرض خبيث يدعى “جفاف الجلد المصطبغ” (Xeroderma Pigmentosum) والذي يعرف اختصاراً بـ(XP)؛ وهو مرض وراثي نادر اكتشفه لأول مرة عام 1870 “موريتز كابوسي” -وهو طبيب عاش في مدينة فيينا- بعدما تنبّه إلى ظهور بقع لونية، أشبه بالنمش، على جلود أطفال تعرضوا إلى أشعة الشمس، قبل أن تتطور هذه البقع خلال سنوات قليلة إلى تقرحات قاتلة.

ويعرف المرض أيضا باسم “التقرح الجلدي الاصطباغي” و”زيروديرما بيغمنتوزم”،  ويطلق على الأطفال المصابين اسم “أطفال القَمر” أو “القَمريون”، نسبة إلى عدم قدرتهم على الظهور بشكل طبيعي إلا تحت ضوء القمر عندما تغيب أشعة الشمس.

ومرض جفاف الجلد المصطبغ هو مرض وراثي متنحٍ (غير معدٍ)، وهذا يعني أن الطفل حتى يصاب به يجب أن يحمل نسختين من الجين المسبب، واحدة من الأب والثانية من الأم.

وتؤدي أشعة الشمس فوق البنفسجية إلى تدمير المادة الوراثية (دي أن أي) في خلايا الجلد، وفي الحالة الطبيعية يقوم الجسم بإصلاح هذا الضرر.

أما لدى مرضى جفاف الجلد المصطبغ فإن الجسم لا يقوم بإصلاح هذا الضرر، وكنتيجة له يصبح الجلد رقيقا وتظهر عليه بقع من التغيرات في اللون.

أعراض متلازمة أطفال القمر:

وتظهر الأعراض عادة عند سن عامين، وهي:

  • حروق في الجلد تحدث بعد تعرض قليل للشمس، ولا تشفى.
  • تقرحات (Blistering) بعد التعرض للشمس.
  • اتخاذ الأوعية الدموية تحت الجلد شكل شبكة العنكبوت.
  • ظهور بقع من تغيرات اللون في الجلد تزداد سوءا.
  • تقشر الجلد.
  • عدم القدرة على تحمل الضوء.
  • الإصابة بسرطان الجلد في سن مبكرة جدا.
  • الأعراض العصبية التي تتطور لدى بعض الأطفال، وتشمل:

    • الإعاقة الذهنية.
    • تأخر النمو.
    • فقدان السمع.
    • ضعف عضلات الساقين والذراعين.

 

تجد أيضاً في موقع لحن الحياة

ما هي متلازمةُ إهلرز دانلوس؟

الشد العضلى اثناء النوم وعلاجة

توزع مرض متلازمة القمر في العالم:

أوردت “هيفا فاسيهي” -وهي باحثة في معهد “سانت جون” للأمراض الجلدية ببريطانيا- عبر دراسة أجرتها في عام 2012 ونشرتها على موقع “الجمعية الملكية للكيمياء”، بعض الإحصاءات الدولية حول معدلات الإصابة بهذا المرض. وأشارت الباحثة إلى أن معدل الانتشار في الولايات المتحدة يبلغ إصابة واحدة من بين كل 250 ألف نسمة، وفي اليابان بلغ المعدل إصابة واحدة من بين 80 ألفاً. أما في تونس فوصل المعدل إلى إصابة واحدة من بين 10 آلاف نسمة، وضرب المعدل في المناطق الجنوبية والشمالية الغربية لهذا البلد العربي رقماً قياسياً عالمياً إذ سجّل إصابة واحدة من بين كل 100 نسمة.

 

تنتج الأعراض المرضية لـ”جفاف الجلد المصطبغ” جراء فقدان “الحمض النووي الوراثي” لخاصية معالجة الطفرات الناتجة عن اختراق الأشعة فوق البنفسجية للجلد، نتيجة غياب أنزيمي “بوليميراز 1 و 3″.

وتزداد حظوظ الإصابة لدى المواليد من والدين يحملان مورثة المرض، إذ ترتفع إمكانية الإصابة بسرطان الجلد بمعدل 400 مرة لدى المصاب بهذا المرض مقارنة مع الأشخاص العاديين.

ومع تقدم سن المصاب بالمرض، يتزايد سمك جلده ويتعفن بشكل مفزع، وتتخلله بقع وتقرحات مختلفٌ ألوانها قبل أن يبدأ بالتساقط في شكل قطع جلدية جافة.

وتصــاحب كل هذه التشوهـات التهابات في العين نتيجة ترقق الجـفون وفقدان الرموش. كما يعاني معظم المصابين بـ”جفاف الجلد المصطبغ” من أمراض عصبية من قبيل فقدان السمع. وفي ختام المطاف، تؤدي كل تلك العوارض مجتمعة إلى اختصار العمر المتوقع للمصاب.

 

التأثير النفسي أقوى من التأثير الجسدي:

ولا تقل التأثيرات النفسية التي يتعرض لها أطفال القمر عن الآلام الجسدية المصاحبة للمرض. “فرعاية طفل القمر صعبة وتستلزم من أمه المكوث إلى جانبه طوال اليوم” .

“أطفال القمر” يُنفِّذون حكم الشمس فيهم بالسجن المؤبد في غياهب الظلام، ومع ذلك فإنهم لا يكرهونها، ويحلمون في يوم يعانقون فيه شعاعها شأننا نحن “أطفال الشمس”.

المهندسة آلاء الاجاتي
المهندسة آلاء الاجاتي
المقالات: 317

تغمرنا السعادة برؤية تعليقاتكم .... اترك رد